تقرير: جدوى إعادة الصواريخ مرة أخرى بعد الإطلاق دون فقدها

جدوى إعادة الصواريخ مرة أخرى بعد الإطلاق دون فقدها

في ٢٢ ديسمبر ٢٠١٥ نجحت شركة سبيس اكس Space X  في استعادة المرحلة الاولي لصاروخها Falcon 9 و هو ما مثّل نقلة استثنائية في علوم تصميم و تصنيع الصواريخ مما ادّي الي خفض كبير في تكلفة الاطلاق و الذي بدوره جعل حلم امتلاك اقمار صناعية لكثير من الدول النامية امراً اكثر يسراً من ذي قبل.

و سنناقش في هنا كيف نجحت هذه الشركة في تصنيع ذلك الصاروخ و ما مدي تأثير اختراع مثل هذا علي المستويين الاقتصادي و العسكري.

كيف نجحت شركة سبيس اكس Space X في استعادة المرحلة الاولي من صاروخها؟

Space X شركة خاصة في تصنيع الصواريخ مملوكة لرجل الاعمال ثلاثي الجنسيات (امريكي-كندي-جنوب افريقي) ايلون ماسك و هو ايضا صاحب شركة Tesla لتصنيع السيارات الكهربائية ، و تعد Space X اول شركة خاصة تنجح في اطلاق صاروخ لمدار حول الارض و ذلك في عام ٢٠٠٨ و بنفقات قليلة نسبياً عن مثيلاتها من الشركات الحكومية مما دفع العديد من الحكومات بما في ذلك وكالة Nasa للتعاون معها لاطلاق اقمار صناعية و ارسال شحنات الي محطة الفضاء الدولية ، و هم في طريقهم لارسال مجموعة رواد فضاء الي هناك في مايو ٢٠٢٠.

ان نجاح Space X في استعادة صاروخها قد نشّط ذاكرة البشرية مرة اخري تجاه انجازاتها العظيمة في مجال غزو الفضاء ، مثل احداث الصعود للقمر و التي الهمت الملايين حول العالم ، و جعل لدي العالم الرغبة في استعادة تلك الامجاد مرة اخري.

يتكون الصاروخ Falcon 9 من مرحلتين ، الاولي تتكون من ٩ محركات صاروخية Merlin 1 و تتراوح سرعتها بين ٥٠٠٠-٩٠٠٠ كم/ساعة علي حسب المدار المستهدف للقمر الصناعي او عملية الالتقاء اما المرحلة الثانية بها محرك صاروخي واحد Merlin vac ، و يصل بالشحنة المحمّلة الي المدار المستهدف و تتراوح سرعته ما بين ٢٧٠٠٠ الي ٣٥٠٠٠ كم/ساعة حسب المدار المستهدف ، و هناك ابحاث تجري الان لاستعادة تلك المرحلة هي الاخري و سنناقشها في بحث اخر.

عند وصول المرحلة الاولي للصاروخ للسرعة المطلوبة و بانتهاء الزمن المحدد لعمل محركاتها تتوقف المحركات و تنفصل المرحلة ليبدأ عمل المرحلة الثانية و فور انفصال المرحلة الاولي تنطلق ٣ محركات للعمل مجددا فيما يعرف باحتراق الارتداد العكسي Boost back burn و يهدف هذا الاحتراق الي اعادة توجيه الصاروخ و الغاء السرعة الافقية للصاروخ لتوجيهه الي قاعدة الهبوط و استعدادا لدخول الغلاف الجوي للارض ، و بعد ان يتوقف هذا الاحتراق يتم فرد اجنحة التوجيه Grid Fins ، و بعدها يبدأ الاحتراق الثاني و المعروف باحتراق اعادة الدخول Reentry burn  و يهدف هذا الاحتراق الي خفض سرعة الصاروخ لنصفها لتقليل الاحتكاك مع الغلاف الجوي للارض و بعدها يبدأ الاحتراق الثالث و الاخير باستخدام محرك واحد و المسمي باحتراق الهبوط Landing burn و هو ما يعمل ككابح لسرعة الصاروخ حتي يتم الهبوط بسهولة و سلاسة و اثناء الهبوط يتم فرد اذرع تثبيت الصاروخ في منطقة الهبوط.

و اذا تم تنفيذ استعادة المرحلة علي سطح المدرج العائم في المحيط فقد لا نحتاج الي اعادة التوجيه و ملاشاة السرعة الافقية عند الدخول للغلاف الجوي و بالتالي يتم الغاء الاحتراق الاول Boost back burn و يكون الاحتراق الاول هو احتراق اعادة الدخول Reentry burn.

 قديما كانت تترك مرحلة الصاروخ بعد انفصالها لتحترق باحتكاكها بالغلاف الجوي ، فكانت تترك هكذا تحترق و تسقط بقاياها في المحيط حتي بالرغم من ان المحركات كانت لا تزال صالحة للعمل نسبيا ، اي بعد اجراء مجموعة اعمال للصيانة و الاصلاح تكون جاهزة للعمل ، حتي انه في الصاروخ Saturn 5 و الذي ارسل الانسان للقمر ، لم يكن هناك غير محرك واحد يشتعل مرتين اثناء الاطلاق الفعلي للصاروخ و هو المحرك J-2 ، و هو المحرك الخاص بالمرحلة الثالثة للصاروخ ، الاطلاق الاول خاص بدخول مدار للارض لعمل الفحوصات اللازمة و الثاني للانطلاق في مسار للقمر و كانت هذه المرحلة هي الاخري تترك لتسقط و تحترق.

و لعل النقطة الاهم هنا هي استخدام المحرك و تشغيله اكثر من مرة و هو الامر الذي تفرّدت به محركات Space X و تحديداً محركها Merlin 1 ، و هنا تجدر الاشارة بان هذا التصميم يعتمد علي كميات وقود و اكسيجين سائل كافية لاشعال كافة عمليات الاحتراق و توفّر وسيلة اشعال قادرة علي العمل اكثر من مرة و النقطة الاهم هي استدامة المحرك ذاته اي انه تم تصنيعه من مواد لا تتلف بعد الاستخدام الاول او علي الاقل يمكن اعادة استخدامها باقل قدر ممكن من اجراء التصليحات و الصيانة ، و ليس كالمحركات القديمة و التي كانت لا تصلح للاستخدام الا مرة واحدة فقط خصوصا تلك التي تعمل في المرحلة الاولي للصاروخ مثل محرك  F-1 في الصاروخ Saturn 5 و الذي اوصل الانسان للقمر او المحرك RS-25 المستخدم كمحرك للمكوك الفضائي و الذي كان يعاد استخدامه لكن بعد اجراء كثير من التصليحات و اعمال الصيانة ، و كذلك نفاثات النيتروجين و التي تعمل علي اعادة توجيه الصاروخ في الفضاء اثناء احتراق الارتداد العكسي Boost back burn و كذلك الحفاظ علي استقامته راسيا اثناء هبوطه في منطقة الهبوط  او علي المدرج العائم.

تجدر الاشارة ايضا الي ان Space X نجحت في اطلاق الصاروخ Falcon heavy في ابريل 2019 و يعتبر نسخة متطورة من Falcon 9 حيث تتكون المرحلة الاولي له من 3 صواريخ كل منها مثل المرحلة الاولي لصاروخ Falcon 9 اي ان مرحلته الاولي بها 27 محرك صاروخي ، و قد نجحت Space X في استعادة الثلاث صواريخ علي مدرجات الهبوط و يهدف استخدامه الي ارسال شحنات الي مدار ابعد و تعد طاقة الاطلاق المنطلقة من هذا الصاروخ هي اعلي طاقة تنطلق من صاروخ منذ اطلاق محركات F-1 في صاروخ Saturn 5.

الجدوي الاقتصادية 

ان استدامة المحركات الصاروخية قد خفضت تكاليف الاطلاق الي حد كبير ، و هو ما لم يكن متاحاً في الماضي ، فقد زادت عدد الاقمار الصناعية حول العالم و بدأت تكثر المشروعات البحثية و المتعلقة باعادة ارسال رواد فضاء للقمر و استعماره من البشر و كذلك المريخ بما يتوافر علي سطحه من كميات ضخمة للماء المتجمد و ثاني اكسيد الكربون.

ان استعادة المرحلة الاولي للصاروخ Falcon 9  و امكانية تشغيله اكثر من مرة و اعادة استخدامه في اكثر من مهمة جعل المحرك Merlin 1 الاقل كلفة علي الاطلاق حيث انه اصبحت تكلفة اطلاق ١٠٠ كجم تساوي ١١٧ دولار باسعار ٢٠١٩ بينما التكلفة لنفس الحمولة باستخدام المحرك  RS-25 تساوي ١٤١٤ دولار اي انخفاض التكلفة بنسبة ٩٠٪ بينما المحرك الجديد التي تصنعه Space X و التي ستسخدمه في رحلاتها للمريخ و هو محرك Raptor ستصل تكلفة اطلاق ١٠٠ كجم عليه ستصل الي ٢٠ دولار فقط.

الجدوي العسكرية

ان التطور في تصميم و تصنيع الصواريخ ينعكس علي المجال العسكري او علي الاقل علي مستوي الدراسات الاستراتيجية و تحليلات القوي في اماكن النزاع علي سطح كوكبنا....و لعل المثل الابرز علي ذلك هو عندما نجح الاتحاد السوفييتي في ارسال اول انسان الي مدار حول الارض و كان يوري جاجارين و ذلك في ١٢ ابريل ١٩٦١ و اعقب ذلك في نفس العام في ٣٠ اكتوبر قيامهم بتجربة ملكة القنابل (اكبر القنابل النووية و اشدها فتكاً) ، كان هذا هو الدليل علي قدرة الاتحاد السوفييتي علي رد الضربات النووية الامريكية بمثيلاتها (ما يعني حدوث محرقة نووية) و هو اول حدث مؤثر في تاريخ الحرب الباردة و هو الذي دفع العالم فيما بعد الي ما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية في عام ١٩٦٣.

في ٢٢ ابريل ٢٠٢٠ نجحت قيادة القوات الجو فضاء التابع للحرس الثوري الايراني بقيادة العميد/أمير علي حاجي زادة في اطلاق القمر الصناعي العسكري نور-١ و لعل الحدث الابرز هنا هو امتلاك الحرس الثوري الايراني لتلك القدرات في تصنيع صواريخ تستطيع ان تحمل اقماراً صناعية و مع تطور منشآتها النووية يصبح بالامكان ان  تمتلك صواريخ قادرة علي حمل رؤوس نووية و توجيهها الي دول الخليج العربي او الاحتلال الاسرائيل.

كذلك نري تزايد عدد الاقمار الصناعية التي تمتلكها كل من روسيا و الصين ، فامريكا لديها ٩٠١ قمر صناعي ١٧٦ منها لاغراض عسكرية و الباقي متنوع بين الملاحة و الرصد المناخي و الاتصالات ، اما الصين فتملك ٢٩٩ قمر صناعي و روسيا تملك ١٥٣ قمر صناعي.

ان نقطة القوة التي تملكها الولايات المتحدة هي امتلاكها لاكبر عدد من الاقمار الصناعية في العالم بنسبة تكاد تقارب ال ٥٠٪ من الاقمار الصناعية حول العالم ، و لهذا فان كل من روسيا و الصين يسعيان لامتلاك سلاح لردع القوة الامريكية الفضائية ، فتسعي الصين لامتلاك صواريخ متوسطة المدي لاصابة الاقمار الامريكية في مداراتها ، و لعل السلاح الابرز كان القمر الصناعي القاتل Killer Satellite الذي امتلكه السوفييت في الستينيات و هو قمر صناعي صغير يطلق كرات معدنية لاعطاب الاقمار الاخري ، و ربما يمكن للروس او الصينيين في يوم ما ان يمتلكا اقمار صناعية تتمكن من التشويش و اعطاب الاقمار الامريكية اليكترونيا ، و هذا ما سيعيد الامريكان الي العصور الوسطي حيث انهم سيفقدوا ميزتهم الكبري المتمثلة في القدرات الفائقة للاقمار الصناعية علي التجسس و الاتصال باعلي قدر من السرية.

اي انه اذا نجحت الصين او روسيا او كلاهما في اقتناء تكنولوجيا استعادة الصواريخ سيكون من الممكن ان يكسرا هيمنة الولايات المتحدة علي الفضاء او علي الاقل جعل اقمارها في خطر و خوف من التطورات الصينية و الروسية و باثمان زهيدة.