غرب افريقيا: قمة الساحل.. رسالة قوية للتنظيمات الإرهابية وداعميها

تحظى منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا، باهتمام دولي متنام، وخصوصا في ضوء التهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية النشطة في هذه "البؤرة الساخنة" القابلة للانفجار بتداعيات خطيرة لا تقتصر على القارة السمراء فحسب، وإنما قد تطال أوروبا والعالم.


وبعث حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية وشخصيات دولية أخرى، في قمة قادة مجموعة دول الساحل التي استضافتها العاصمة الموريتانية نواكشوط، الثلاثاء، برسالة قوية مفادها إصرار الاتحاد الأوروبي على الاضطلاع بدور أكبر في محاربة الإرهاب بتلك المنطقة ذات الأهمية الكبيرة من الناحية الأمنية.

وقال الرئيس الفرنسي، إن القوات الفرنسية وقوات غرب أفريقيا تحقق نجاحات عسكرية في مواجهة المتشددين بمنطقة الساحل، مضيفا أن "الأشهر الستة الماضية شهدت بعض النجاحات في المعركة ضد الإرهاب منها قتل بعض الزعماء المهمين".

وتابع ماكرون قائلا: "فرنسا ستواصل التزامها وعملها في منطقة الساحل عبر خطوات جديدة تم وضعها، وجهودنا ستخضع لتقييم جديد مطلع العام المقبل".

وأشار إلى أنه "يتعين علينا الآن بذل المزيد من الجهد من أجل بسط سلطة الدول على هذه المناطق التي كانت تحت حكم المتشددين، لكن القوات المحلية استعادت السيطرة عليها".

ويرى مراقبون أن القمة الأخيرة كانت فرصة للوقوف على ما تم إحرازه، ووضع اليد على أسباب الوضع الأمني في المنطقة، والذي يرجع لعوامل عديدة.

واعتبر الكاتب والباحث السياسي الليبي كامل مرعاش في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن من أبرز التحديات التي تواجه دول الساحل يتمثل بضعف التنمية البشرية، حيث ينتشر الفقر والبطالة بين صفوف الشباب الذين يمثلون غالبية السكان، هذا إلى جانب ضعف البنى التحتية لتلك البلدان، واستشراء الفساد الإداري والمالي.

وأوضح مرعاش أن "هشاشة الدولة من الناحية الاقتصادية تسبب بضعف الإجراءات الأمنية، وساهم في ظهور تنظيمات وحركات متطرفة وإرهابية استغلت الفراغ الأمني وافتقار السكان للحاجات الأساسية".

ولفت إلى أن عصابات الجريمة المنظمة والتنظيمات المتطرفة المدعومة من دول داعمة للإرهاب استفادت من تلك الأوضاع، وطورت من أساليبها عبر إنشاء مؤسسات خيرية لتمويه نشاطاتها وتحركاتها.

وبدوره أكد الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن دول الساحل تعاني أزمات تنموية وصحية واجتماعية، وجميعها شكلت بيئة مناسبة وحاضنة للحركات الإرهابية التي إن استمرت من تعزيز تواجدها في المنطقة فإنها ستسبب بكارثة لن تقتصر أضرارها على تلك المنطقة فقط.

مخاطر بلا حدود

ويجمع الخبراء على خطورة ملف الساحل والصحراء، وأهمية التحرك لمعالجته بشكل عاجل لما لذلك من ارتدادات على العالم، وهو ما شدد عليه مرعاش بالقول: "إن منطقة الساحل والصحراء ملاذ آمن للعديد من الحركات الإرهابية لترامي واتساع رقعتها الجغرافية ذات الطبيعة الصحراوية الوعرة. ومع غياب الحدود التي تخضع للحراسة المشددة، باتت السيطرة أمنيا عليها شبه مستحيلة".

ومن أسباب التدهور الأمني في تلك المنطقة أيضا اندلاع الأزمة الليبية منذ العام 2011، حيث يرى أديب أن التدخل التركي في شؤون هذا البلد العربي الأفريقي دعم وجود المتطرفين في الساحل والصحراء، محذرا من أن أنقرة تسعى لإقامة بديل لدولة "داعش" في أفريقيا انطلاقا من ليبيا.

وبيّن أديب أنه في حال نجحت تركيا بمخططها الاستعماري التخريبي، فإن الإرهاب سيعم القارة الأفريقية، إذ ستمد المتطرفين بالدعم على اختلاف أشكاله تحقيقا لأجندتها التي ستكون الدول العربية من المتضررين منها أيضا.

ويتفق مرعاش مع أديب حول الدور التركي السلبي بقضية الساحل والصحراء، حيث يرى أن "استمرار دعم تركيا للإرهاب بليبيا عبر تسهيل تدفق المقاتلين من سوريا، سينشر التطرف في القارة، ويهدد أمن أوروبا بشكل مباشر".

واسترسل مرعاش قائلا: "تواجد آلاف الإرهابيين في ليبيا الذين يقاتلون في صفوف ميليشيات فايز السراج مقابل مبالغ مالية تصرف لهم، سيجعل تركيا تستغلهم لاحقا في أعمال تخريبية وإرهابية، وخصوصا أن لديهم خلفيات متطرفة وعاشوا سنوات في ظل الحرب في سوريا".
حل عسكري أم تنموي؟

وتعوّل دول مجموعة دول الساحل الخمس والتي تضم كلا من بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد على الدعم الدولي، وإلغاء ديونها لتكون قادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها، والعمل على تفعيل آليات التعاون فيما بينها بمجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى ملاءمة عمل المجموعة مع المتغيرات المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل.

وتمثل هذه الإجراءات أسلحة في المعركة ضد الإرهاب الذي يجب أن يكون للتنمية القول الفصل فيها حسبما قال مرعاش الذي اعتبر أن "التنمية البشرية والاجتماعية المستدامة تبقي مفتاح حل كل مشاكل وتحديات المنطقة بما فيها الأمنية".

وسلط مرعاش الضوء في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" الضوء على غياب الحل التنموي الاجتماعي في المنطقة بعدما تراجعت دول عن تقديم مساعدات في ذلك المجال، وسحبت بلدان مشاركتها في المجهود الحربي ضد التنظيمات المتطرفة، ما جعل فرنسا تتبنى الحل العسكري بشكل أكبر.

وفي ذات السياق، نبّه أديب من مغبة تغلغل الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء بشكل أكبر، لا سيما أن تركيا تحلم ببناء قاعدة متطرفة لها في أفريقيا لن تقتصر أعمالها على تلك المنطقة ولكنها ستمتد للعالم، داعيا المجتمع الدولي للتحرك عبر اعتماد خطط تنموية واجتماعية على حساب النهج العسكري.

الحضور العسكري

ويعود تاريخ التواجد الفرنسي في منطقة الساحل للعام 2013 عندما نشرت الآلاف من جنودها جنوبي الصحراء الكبرى، علما أن لديها حاليا 5100 جندي هناك بهدف قتال المتشددين.

وأنشأت القوة المشتركة لدول الساحل في يوليو 2017، ونفذت أول عملياتها بشهر نوفمبر من ذات العام، وتضم قوات من دول الساحل الخمس، تنتشر على المناطق الحدودية لهذه البلدان، وتتولى النيجر قيادتها حاليا.

وتمكنت القوات الفرنسية مؤخرا من قتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، عبد المالك دروكدال خلال عملية في شمال مالي، وفق إعلان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، التي قالت على تويتر: "في الثالث من يونيو قتلت قوات الجيش الفرنسي بدعم من شركاء محليين أمير القاعدة في بلاد المغرب عبد المالك دروكدال، وعددا من أقرب معاونيه، خلال عملية في شمال مالي".

وذكرت بارلي أن القوات الفرنسية، اعتقلت أيضا في 19 مايو، محمد المرابط، وهو مقاتل وصفته بأنه مخضرم في المنطقة، وعضو بتنظيم داعش في الصحراء الكبرى.