إثيوبيا: مقتل رئيس الأركان وانقلاب "من إقليم".. ماذا يجري في إثيوبيا؟

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، أسفر انفجار استهدف فعالية يحضرها رئيس الوزراء الجديد حينها أبي أحمد، عن مقتل أشخاص، ونجاة الأخير من محاولة اغتيال، وتشاء الصدف أن تحيي إثيوبيا ذكرى هذا الحادث بمحاولة انقلاب لا تزال تدور رحاها الآن في عدة مناطق.

وأعلنت السلطات الرسمية في إثيوبيا في وقت متأخر من مساء السبت، أن محاولة انقلاب فاشلة وقعت للإطاحة بزعيم أمهرة، إحدى ولايات البلاد التسع، وتعرض رئيس أركان الجيش لإطلاق نار في العاصمة أديس أبابا.

ومن أديس أبابا تحدث الخبير في الشؤون الأفريقية أنور إبراهيم لموقع "سكاي نيوز عربية"، قائلا إن السلطات تنفذ حملة تمشيط أمني مكثف، خاصة في إقليم أمهرة الذي شهد محاولة انقلابية، مضيفا أن حالة استنفار أمني عالية أعقبت مقتل رئيس أركان الجيش سيري ميكونين وأحد قيادات الجيش برصاص أحد الحراس الشخصيين.

استهداف اجتماع

وفي ساعة متأخرة من ليل السبت، بدأت الأنباء تتدفق من إثيوبيا، حيث تحدث سكان في بحر دار عاصمة أمهرة عن سماع دوي إطلاق نار في بعض الأحياء، وأن بعض الطرق أُغلقت، بينما لم تتضح التفاصيل المتعلقة بالقتال.

وقال أحد سكان بحر دار إن إطلاق نار وقع في البلدة في نحو الساعة 6.30 مساء (15:30 بتوقيت غرينتش)، وإن القتال مستمر.

حينها خرج متحدث باسم رئيس وزراء إثيوبيا عن صمته، معلنا أن محاولة انقلاب تحدث ضد قيادة ولاية أمهرة، "لكنها فشلت".

وفي زي عسكري، ظهر أبي أحمد على التلفزيون الرسمي، في وقت متأخر من السبت، وقال إن بعض المسؤولين في حكومة أمهرة كانوا في اجتماع، عندما وقعت محاولة انقلاب.

وأضاف: "قتل عدد قليل من الأشخاص بينما أصيب آخرون"، ليتضح فيما بعد أن رئيس ولاية أمهرة أمباتشو مكونن ومستشاره، من بين القتلى.

من وراء المحاولة؟

ذكر التلفزيون الرسمي الإثيوبي أن جنرالا بالجيش يقف وراء محاولة الانقلاب. وقالت وسائل الإعلام الرسمية إن الجنرال يدعى أسامنيو تسيجي، وكان يتولى منصب رئيس جهاز الأمن في ولاية أمهرة.

وقال العميد تفيرا مامو، قائد القوات الخاصة في أمهرة للتلفزيون الحكومي، الأحد، إن "معظم الأشخاص الذين قاموا بمحاولة الانقلاب تم اعتقالهم، رغم أن عددا قليلا منهم ما زالوا طلقاء".

وبينما اتهم الحزب الحاكم في أمهرة، في بيان، مسؤولا أمنيا سابقا أفرج عنه من السجن منذ تولي أبي الحكم، بإذكاء أعمال العنف في الولاية، تحدث صحفيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن رئيس المخابرات الحربية، الجنرال حسن إبراهيم، الذي يقال إنه قيد الحبس المنزلي، وهو الأمر الذي نفاه أنور إبراهيم.

رئيس أركان الجيش

وبعد ساعات من أنباء محاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة ولاية أمهرة، عاد المتحدث باسم رئيس الوزراء الإثيوبي ليؤكد لـ"رويترز"، في وقت مبكر من الأحد، أن رئيس أركان الجيش ميكونين تعرض لإطلاق نار، الأمر الذي يشير إلى أن المحاولة الانقلابية قد تشمل العاصمة أيضا.

فمن منزله في أديس أبابا، وبينما كان يشرف على عملية إجهاض المحاولة الانقلابية للاستيلاء على السلطة في ولاية أمهرة، قُتل رئيس أركان الجيش (قائد الجيش) الجنرال سيري مكونن، وجنرال متقاعد آخر برصاص الحارس الشخصي لسيري، بحسب ما جاء في بيان لمكتب أبي.

وكان التحالف بين أبي أحمد وسيري ذا أهمية خاصة، فأبي ينتمي لقومية الأورومو التي اعتادت الشكوى من الاضطهاد الحكومي ضدها لعقود سبقت تولي أبي السلطة، أما سيري الذي كان يقود الجيش فهو ينتمي لقومية التيغراي التي سبق وأن استأثرت بالسلطة في البلاد.

لماذا أمهرة؟

أمهرة واحدة من 9 ولايات تتحكم بالحكم الذاتي في البلاد، وتقع شمالا حيث تتمتع بحدود متاخمة مع السودان، وإقليم تغراي الذي هيمن على الحكم في إثيوبيا لعقود.

وتعد قومية "الأمهرية" ثاني أكبر عرقية في إثيوبيا، بعد قومية الأورومو التي تحتج منذ عشرات السنين على ما تقول إنه انتهاك لحقوقها وتمييز اقتصادي واجتماعي من قبل الحكومة.

وقال هاني رسلان رئيس وحدة السودان و حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن النظام الفدرالي الإثيوبي القائم على أسس إثنية مثل الأمهرة والأورومو يعاني مشاكل عميقة، وأن الوجه الإصلاحي الذي يقدمه رئيس الوزراء يخفي تحته تطورات هائلة.

وأضاف: "هناك مقاومة من الإقليم الصومالي الإثيوبي (أوغادين) وإقليم قومية التيغراي الذي كان يقود العملية السياسية منذ رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي".

ومنذ جاء إلى السلطة في أبريل 2018، أفرج أبي أحمد عن سجناء سياسيين، ورفع الحظر عن أحزاب، وحاكم مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، لكن العنف العرقي اندلع في مناطق كثيرة منها أمهرة.

ويعلق رسلان على ذلك، بقوله: "الشكل الظاهر لإصلاحات أبي لا تعكس التفاعلات الحقيقة الموجودة على الأرض. فأبي يحاول استبدال سيطرة الأورومو بالتيغراي، بينما يقدم نفسه كإصلاحي".

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن النظام الفيدرالي الذي أسسه زيناوي عام 1994، ووصل إلى نهايته، على حد قوله، يعد أبرز التحديات التي يواجهها أبي حاليا.

وتابع: "من الناحية النظرية كان يبدو أن هذا النظام ينقل السلطة من المركز إلى الأقاليم، لكن من حيث التطبيق العملي الوضع لم يكن كذلك، حيث تم توظيف هذا النظام لصالح نخبة التيغراي".

وبعد أن أجبرت احتجاجات دامية متقطعة سلفه على الاستقالة، تولى الإصلاحي أبي (42 عاما) السلطة العام الماضي.

ويعد أبي أحمد أول رئيس وزراء من عرقية أورومو، وأول رئيس وزراء مسلم يرأس حكومة في إثيوبيا. وهو مولود لأب مسلم من عرقية أورومو، وأم مسيحية من عرقية أمهرة، ومتزوج من مسيحية أمهرية، بحسب مواقع متخصصة في الشأن الأفريقي.

ماذا بعد؟

ويقول رسلان إن وصول أبي أحمد للسلطة لم يكن سهلا، فهو جاء من خارج إقليم التيغراي الذي هيمن على السلطة لعقود، كما أن وصوله أدى إلى ارتباك الحياة الحزبية، الأمر الذي جعل من الصعب قبوله داخل الدولة الإثيوبية، لولا الدعم الخارجي، على حد قوله.

وفي 23 يونيو من العام الماضي، نجا أبي أحمد من هجوم بقنبلة أثناء احتشاد الآلاف من مؤيديه في العاصمة أديس أبابا، لكن التفجير أسفر عن مقتل شخص وإصابة العشرات.

وأضاف رسلان: "الصراعات الإثنية في إثيوبيا خطيرة لأنها تعبر عن خلافات سياسية متعددة، وتعكس الضغائن والإحساس بالظلم والاضطهاد بين العرقيات".

وعلق على امتداد المحاولة الانقلابية إلى العاصمة أديس أبابا، بمقتل رئيس أركان الجيش، بقوله: "هذا مؤشر يبعث على القلق".

وعلى الرغم من الاضطرابات، دعت عدة أحزاب سياسية معارضة إلى إجراء الانتخابات البرلمانية العامة التي من المقرر أن تجري العام المقبل.

لكن رسلان أشار إلى أنه بعد هذه التطورات "ليس من المعروف ما إذا كان أبي أحمد سيحرز الأغلبية أم لا".

أما أنور إبراهيم فقد قلل من "الدوافع الإثنية" في محاولة الانقلاب التي شهدتها أمهرة، حيث تتزايد المطالب الشعبية الغاضبة من سوء الأوضاع.