الولايات المتحدة: أولويات تسليح الجيش الأمريكي.. قراءة في مشروع موازنة عام 2020

كتب : حسين عبد الراضي

قدمت وزارة الدفاع الأمريكية في مارس 2019 مشروع الموازنة للعام المالي 2020، وجاء الطلب المُقدم من مكتب وكيل الوزارة للرقابة المالية بعنوان “ضمان ميزتنا التنافسية للمنافسة والردع والنصر في عصر المنافسة القوية”، ليلقي الضوء على اتجاه الوزارة لتبني ذات السياسات الأمريكية الأخيرة، والتي ترمي إلى تركيز الجهود على منافسة القوى الكبرى كالصين وروسيا. وأشار الطلب -في بدايته- إلى أن الولايات المتحدة تمتعت بهيمنة عسكرية لفترة كبيرة على الساحة الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، فيما لعبت عدة عوامل دورًا في تقويض هذه الهيمنة وعلى رأسها عدم وجود استراتيجية مُركزة للجيش الأمريكي، وعدم استقرار ميزانيته في نسق محدد بعد الأزمة المالية في 2008، بالإضافة إلى الحملة طويلة المدى للحرب على الإرهاب، واستنزاف قدراتها عبر الانخراط في إحلال الاستقرار بمناطق التوتر كالشرق الأوسط.

وتزامن هذا التراجع مع اتجاه الصين وروسيا نحو الاستعداد لنزاعات المستقبل، وتخطي الهيمنة العسكرية الأمريكية والتفوق النوعي عليها. ورغم اتجاه القوى الكبرى لفترة طويلة إلى تصدير حالة من التماهي وتلافي الصدام مع الولايات المتحدة؛ إلا أنها تحولت فيما بعد إلى اتباع سياسات تصادمية تقوض من نفوذ الولايات المتحدة في عدد من مسارح عملياتها الاستراتيجية كبحر الصين الجنوبي وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. وقد دفعت هذه العوامل الوزارة إلى وضع استراتيجية جديدة تتبنى تغيير مسار عملياتها، كالانتشار، والاتجاهات التسليحية، وإعادة النظر في التهديدات التي أهملتها؛ إذ أصبحت في حاجة إلى إعادة صياغة أهداف موازنتها واتجاهات عملها.


لقد طلبت وزارة الدفاع الأمريكية ما يصل مجموعه إلى 718 مليار دولار، وهي أكبر مشاريع الموازنة التي تُطرح في تاريخ الوزارة وبمُعدل نمو بلغ 4.9% مقارنة بـميزانية الوزارة لعام 2019. وتوزعت بنود الموازنة على عدة محاور رئيسة، أبرزها مُخصصات الوزارة وإدارة القواعد الوطنية بقيمة 545 مليار دولار، ومخصصات القواعد بالخارج (OCO Base) بقيمة 98 مليار دولار، وكذلك مخصصات العمليات في الخارج (OCO) بقيمة 66 مليار دولار تقريبًا، بالإضافة إلى مخصصات حالة الطوارئ التي ستصل إلى 9 مليارات دولار. ومن المتوقع أن يصل إجمالي مخصصات برامج وأنشطة الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2020 إلى حوالي 750 مليار دولار؛ حيث يُعتزم تخصيص مبلغ 32 مليار دولار لوزارة الطاقة والوكالات الدفاعية الأخرى. وقد أكدت الوزارة أن طلب الميزانية يتوافق مع قانون مراقبة الميزانية، ومقتضيات دعم أولويات استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية.

وأشارت الخطة إلى أن الحروب القادمة ستكون مبطنة بتعقيدات كبرى، حيث ستخرج عن الأطر التقليدية، كالنزاعات الجوية والبرية والبحرية، وستمتد إلى نزاعات غير نمطية كالفضاء والفضاء الإلكتروني، لذا تأتي الخطة بأهداف جديدة للدفاع مغايرة لتلك التي تصدرت استراتيجياتها السابقة. واتجهت إلى تبني أولويات جديدة للدفاع عبر إعادة توزيع الموارد وتحويل الاستثمارات للتحضير لمعارك مستقبلية محتملة؛ حيث تُخصص هذه الميزانية للتركيز في أربعة مجالات لبناء قوة متكاملة تجعل القدرات الأمريكية أكثر فتكًا ومرونة وإبداعًا، ويمكن تناول هذه المجالات فيما يلي:

1- تعزيز القدرة التنافسية عبر الاستثمار في المجالات الجدية (الفضاء، الفضاء الإلكتروني)  

وضعت الميزانية الجديدة الاستثمار في مجالات القتال الصاعدة، كالفضاء والفضاء الإلكتروني “السيبراني”، في صدارة اهتماماتها؛ حيث ترى الإدارة الأمريكية أن مجالات القتال الناشئة لديها لا تتواكب مع أهمية فرض هيمنتها عليها مقارنة مع أنشطة القوى الكبرى في هذه المجالات، لذا منحت الاستثمار في هذه المجالات أولوية، عبر تخصيص حوالي 30 مليار دولار لهذه المجالات، وتحديده كأحد عوامل البناء والتحضير لبيئة أمنية معقدة التطورات والأبعاد.

وتقتضي خطة الموازنة توجيه 14.1 مليار دولار لبرنامج حروب الفضاء؛ لتدعيم عناصر قوتها الفضائية الحالية وهياكل منظماتها المرتبطة بهذا القطاع، وكذلك تطوير قدرات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، واهتمامها المتعلق بالإنذار المبكر لهجمات صواريخ الفضاء، وقدرات إطلاق الرحلات والأقمار إلى الفضاء. كما تضمنت تخصيص 9.6 مليارات دولار للدفاع في المجال السيبراني، وهو المستهدف عبر بناء أُسس معتمدة لعمليات الفضاء الإلكتروني الهجومية والدفاعية عبر شبكات وأنظمة مرنة؛ لتحقيق الكفاءة والفعالية في البيئة السيبرانية متعددة التفاعلات.

2- تحديث القدرات في المجالات الجوية والبحرية والبرية

تستهدف أولويات الميزانية الدفاعية القادمة تحديث القدرات القتالية في كافة وسائط الحروب التقليدية الجوية والبحرية والبرية، وتعتزم الموازنة المُقترحة تخصيص حوالي 138 مليار دولار لتحديث القدرات الأمريكية؛ لشحذها وتجاوز المنافسة الضارية التي تقودها الصين وروسيا عبر اتجاهاتهما التسليحية الراهنة. وتقترن هذه الأولوية -إلى جانب تحديث القدرات- بجعلها ذات قدرات تدميرية فتاكة؛ حيث تُراهن الاستراتيجيات القتالية الأمريكية الجديدة على الضربات القاضية، والابتعاد عن إطالة أمد الصراع، حيث ترى أن الأفضل هو الرد المُركز والرادع لضمان تحقيق الردع أو الانتصار بأقل التكاليف.


وتتضمن الموازنة الجديدة أيضًا تخصيص 57.7 مليار دولار لصالح تحديث القدرات الجوية، وهو ما تستهدفه عبر زيادة القدرات الاستيعابية بإدخال عدد 110 من طائرات الجيل الرابع والخامس للخدمة، وإضافة 12 طائرة نقل من طراز (KC-46)، إلى جانب التركيز على تطوير منظومة الصواريخ، وإضافة عدد 389 صاروخًا متقدمًا جو-جو متوسط المدى، وكذلك ضم 430 صاروخ جو-أرض طويل المدى. فيما تخصص قرابة 34.7 مليار دولار لتحديث القدرات البحرية، حيث تشهد الخطة المالية أكبر طلب لبناء السفن منذ أكثر من 20 عامًا، وكذلك التوسع في امتلاك وحدات وقطع بحرية غير مأهولة؛ لزيادة الخيارات العسكرية المتاحة للتعامل مع أي تهديد، بالإضافة إلى تطوير صواريخ بعيدة المدى مضادة للسفن وأنظمة التوماهوك البحرية، وضم عدد من الغواصات والفرقاطات والمدمرات للأسطول.

كما تضمنت الموازنة الجديدة ضخ مبلغ 14.6 مليار دولار للتركيز على توسيع القدرات القتالية البرية؛ حيث تشمل ضم 6402 مركبة قتالية ومحركات تكتيكية بتكلفة 7.2 مليارات دولار، وإضافة 4090 مركبة تكتيكية خفيفة لضمان حشد قوة نيرانية محمولة ومحمية بتكلفة 1.6 مليار دولار، بالإضافة إلى 56 مركبة قتالية برمائية -حاملة أفراد مدرعة- بتكلفة تصل إلى 395 مليون دولار، إلى جانب تحديث أنظمة الأسلحة المضادة للدروع، وأجهزة الرؤية الليلية الحرارية. وخصصت الموازنة 31 مليار دولار لتحديث قدرات الردع المشتركة بين أفرع الجيش الأمريكي، حيث حددت منها 13.6 مليار دولار لصالح زيادة قدرة مشروع الدفاع الصاروخي، ومنع هجمات الصواريخ، بجانب 14 مليار دولار لتحديث القدرات النووية والمرتبطة بالقيادة والسيطرة والاتصالات للصواريخ، والغواصات، والقاذفات النووية؛ للحفاظ على مصداقية الردع النووي الأمريكي. كما خصصت منها أيضًا 3.4 مليارات دولار لصالح قوات العمليات الخاصة المعنية بعمليات مكافحة الإرهاب وإحباط الاتجار بأسلحة الدمار الشامل والحروب غير النظامية.

3- العمل على تسريع وتيرة الابتكار لتعزيز الميزة التنافسية

تتبنى الموازنة الجديدة الاتجاه نحو دعم الابتكار في مجالات العمليات الرئيسة؛ لتحقيق قدر أعلى من التنافسية، حيث تتضمن الموازنة تخصيص نحو 7 مليارات دولار للأبحاث العلمية والتطوير فيما يُعد أكبر طلب للبحوث والتطوير منذ 70 عامًا. وتخصص نحو 3.7 مليارات دولار لتطوير المركبات غير المأهولة (بدون طيار) ومنصات التحكم، وحددت نحو 927 مليون دولار لأبحاث الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، كما تخصص 2.6 مليار دولار لتطوير الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، بالإضافة إلى 235 مليون دولار لأبحاث توجيه الطاقة، والتي تقوم بشكل رئيس على حيازة وتطوير استخدامات متقدمة لأشعة الليزر.

4- الحفاظ على القوات والبناء على المكتسبات الحالية


تعتمد تلك الأولوية على تحقيق مجموعة من البرامج كزيادة الرواتب العسكرية بنسبة 3.1٪، وهي أكبر زيادة منذ 10 سنوات، وضم حوالي 7700 عنصر للجيش، وزيادة تمويل التدريب الإلكتروني ليصل إلى نحو 2.6 مليار دولار، وتحديث وسائط ومرافق التدريب بنحو 1.5 مليار دولار، إلى جانب تحديث نظام الصحة العسكرية. كما تستهدف الميزانية دعم أسر العسكريين والخدمات لأعضاء الخدمة وعائلاتهم، بحوالي 8 مليارات دولار.


وختامًا، أشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن التفوق العسكري ليس حقًّا مكتسبًا، ويجب أن يدعمه كل جيل بنشاط لتحقيق أهداف الدفاع وزيادة النفوذ والأمن العالميين للولايات المتحدة. ويعتمد طلب ميزانية العام المالي 2020 على نجاح الميزانيات السابقة لإصلاح القدرات المتضررة، ما يمثل تحولًا رئيسًا في الاستعداد للردع أو هزيمة الخصوم من القوة العظمى في المستقبل. وترى الوزارة أن موافقة الكونجرس على الميزانية الجديدة سيساعدها في تجاوز التهديدات التي تمثلها الصين وروسيا، والحفاظ على ميزتها التنافسية.