أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 25 يونيو 2025، أن الإنفاق الدفاعي الوطني سيرتفع إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، أي أكثر من ضعف مستواه الحالي. وفي كلمته خلال قمة قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي، أكد أردوغان أن هذه الزيادة المالية ستُمول بالكامل من الميزانية الوطنية. وتعكس هذه الخطة طموح تركيا لتعزيز استقلاليتها الاستراتيجية وتوسيع نفوذها داخل حلف شمال الأطلسي. ويشير هذا الإعلان إلى بداية عهد جديد في النظام البيئي العسكري الصناعي التركي ومكانته الجيوسياسية.
يأتي تصريح الرئيس أردوغان في وقتٍ تتقدم فيه تركيا بالفعل في تصنيفات الإنفاق الدفاعي. وفقًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تُنفق تركيا حاليًا 2.09% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، أي ما يُقارب 19.4 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بينما تُقدّر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) هذه النسبة بانخفاض طفيف عند 1.9%. ومن شأن الوصول إلى 5% بحلول عام 2035 أن يُضاعف هذه الأرقام بأكثر من الضعف، مُتوقعًا أن يتجاوز الإنفاق الدفاعي السنوي 45 مليار دولار أمريكي إذا ظل الناتج المحلي الإجمالي مستقرًا. ويستند هذا المسار إلى زيادة بنسبة 110% بالقيمة الحقيقية خلال العقد الماضي، ويُعزز اتجاهًا سياسيًا يتمثل في التزام أنقرة المُتزايد بالأنظمة العسكرية المُطوّرة محليًا والتخطيط الاستراتيجي طويل الأمد.
وقد تجلّت قدرة تركيا على الانتقال السريع من المفهوم إلى التنفيذ من خلال منصات مثل طائرات بيرقدار TB2 وأكينجي المُسيّرة، ودبابة القتال الرئيسية ألتاي، والسفن الحربية من فئة ميلجم. وقد قادت هذه البرامج شركات وطنية مثل بايكار، وأسيلسان، وروكيتسان، وهافلسان، وهي شركات يُرجّح الآن أن تحصل على عقود أكبر بكثير مدعومة من الدولة. بفضل ميزانيتها الموسعة بشكل كبير، ستتمكن تركيا من إطلاق برامج أكثر تعقيدًا وكثافة في رأس المال، بما في ذلك طائرات مقاتلة من الجيلين الخامس والسادس، وأنظمة دفاع جوي متكاملة، وتطوير صواريخ باليستية، وقدرات عسكرية موجهة نحو الفضاء.
ستكون لهذه الزيادة المتوقعة في الإنفاق الدفاعي آثار استراتيجية كبيرة. عسكريًا، ستدخل تركيا قائمة الدول المساهمة في الدفاع في حلف الناتو، مما يقلل من اعتمادها على الأنظمة المستوردة، مع تحديث قواتها المسلحة في مختلف المجالات. جيوسياسيًا، يعزز هذا استقلالية تركيا ونفوذها، لا سيما في المناطق المتنازع عليها مثل شرق البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، وجنوب القوقاز، والبحر الأحمر. كما يمثل تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي تحديًا للحلفاء الأوروبيين، الذين لا يزال الكثير منهم دون عتبة 2% التي حددها الناتو، ويضع تركيا كلاعب أساسي في كل من الأمن الإقليمي ومستقبل الناتو.
إن قرار تركيا بمضاعفة إنفاقها العسكري خلال العقد المقبل لا يقتصر على بناء القدرات فحسب، بل هو إعادة تقييم استراتيجي. فمن خلال الاستثمار المكثف في صناعتها المحلية وقاعدتها التكنولوجية، تهدف تركيا إلى التحول من قوة إقليمية قوية إلى ركيزة أساسية في الدفاع الجماعي لحلف الناتو. سيُعيد هذا التطور تشكيل التحالفات وسلاسل التوريد والحسابات الاستراتيجية لسنوات قادمة.