نصر اكتوبر: ملحمة كبريت....رؤية جديدة


مقدمة:
لا تزال المعارك التي دارت علي جبهة قناة السويس خلال حرب اكتوبر 1973 معين لا ينضب من الافكار و الرؤي الاستراتيجية التي غيرت الفكر العسكري و الاستراتيجي علي مستوي العالم حتي يومنا هذا...هذا بالاضافة الي البطولات الخارقة للطبيعة التي حدثت بها و التي تصيب من يسمعها بدهشة و الحيرة من شجاعة و بسالة المقاتل المصري.
و لقد قدم ابطال قواتنا المسلحة المصرية من رجال الكتيبة 603 مشاة اسطول بقيادة الشهيد البطل مقدم/ ابراهيم عبد التواب المدافعون عن نقطة كبريت مثل ولا اروع عن البطولة و الفداء و الصمود في مواجهة العدو و تحدي الجوع و العطش...و لكننا هنا في هذا المقال لن نتطرق طويلا لفترة الحصار و كيف تعايش معها جنودنا البواسل و لكننا سنتعرف معا لماذا حاول الاسرائيليين بكل هذه الاستماتة الي احتلالها و لماذا قاوم ابطالنا الي هذا الحد المدهش و الذي يعجز اللسان عن وصفه؟؟؟؟ 
 
اللواء 130 مشاة اسطول:
تم تأسيس اللواء 130 مشاة اسطول بقيادة العقيد/محمود شعيب بناءا علي امر في يناير 1972 بتأسيس اول لواء برمائي في مصر بالعامرية بالاسكندرية و تكون من مفرزتين هما الكتيبة 602 و الكتيبة 603 و تم تسليحهم بمركبات مدرعة برمائية توباز Tobaz و دبابات برمائية خفيفة التدريع T-76 عيار 76 مم وهي معدات كانت موجودة اصلا لدي القوات المسلحة لكن غير جاهزة للواجب القتالي المتوقع القيام به و تم ادخالها ورش القوات البحرية لعمل التعديلات اللازمة لتجهيزها لاقتحام المسطحات المائية لمسافات اطول و اعماق اكبر مثل زيادة تانكات وقود اضافية و رفع مستوي الشكمانات الخاصة بها و كان الغرض من انشاء هذا اللواء هو دفعه لعمق العدو من خلال البحيرات المرة او البحر بهدف شل مراكز قيادة العدو و تعطيل تقدم احتياطاته من العمق في اول ساعات الحرب و ذلك لان وصول الدبابات المصرية الي الضفة الشرقية للقناة سيستغرق من 6 الي 8 ساعات لحين اتمام تشغيل الكباري و المعديات و تصبح لرؤوس كباري فرق المشاة الخمس القدرة علي صد الهجوم المضاد للعدو و لذلك فقد تم تشكيل اللواء من وحدات قوات خاصة نظرا لما تحتاجه تلك النوعية من المهمات لمقاتلين ذوو قدرات خاصة كما تم تزويدهم بوحدات صواريخ مضادة للدبابات و وحدات صواريخ دفاع جوي محمولة علي الكتف (مرجع 7 و 8). 
و قد قام اللواء ببيانه العملي الاول في اغسطس 72 ثم اعقبه بمشروع تدريبي ليلي في اكتوبر 72 كما تم تنفيذ مشروع ليلي اخر في يوليو 73 و ذلك بالسباحة في البحر لمسافة 30 كم ثم النزول علي الشاطئ و مهاجمة اهداف معادية و تعطيل احتياطات العدو و قد منيت احدي كتائب اللواء بخسائر كبيرة حيث ضلت طريقها و فقدت مركبتين و 10 افراد تم انقاذ 7 منهم واستشهد الثلاثة الاخرون (مرجع 1 ص 34-35).

نقطة كبريت:
تقع نقطة كبريت علي الضفة الشرقية لقناة السويس في مواجهة منطقة لسان كبريت غرب القناة و هي نقطة معزولة عن باقي نقاط خط بارليف ولا تتصل بها اذ انها تتوسط مسافة المواجهة في قطاع البحيرات المرة حيث انها كانت تبعد عن الجيش الثالث الميداني 15 كم و عن الجيش الثاني الميداني 25 كم و نظرا للاتساع الشديد لعرض القناة في منطقة البحيرات شمالا و جنوبا فلم يكن هناك لدي الاسرائيليين مخاوف من احتمال عبور المصريين من هذا القطاع و لذلك لم يقيموا بها نقاط محصنة باستثناء تلك النقطة نظرا لضيق عرض القناة بها اذ انها تشكل مضيقا يربط بين البحيرات المرة الكبري و الصغري عرضه 800 متر و تتوسط المنطقة جزيرتين احداهم في مواجهة الموقع مباشرة و هو ما يعني امكانية اقامة جسر في تلك المنطقة للربط بين الشرق و الغرب و نقل القوات من خلاله كما كان يوجد بالموقع مركز عمليات القطاع الاوسط بالجبهة و النقطة في تقاطع الطرق المؤدي الي ممرات متلا و الجدي...و لهذا فقد احتوت النقطة علي 30 ملجأ و 17 حفرة للدبابات و الرشاشات و مواقع للرماية بما يضمن غمر اي قوات مهاجمة بكمية نيران لا يستطع البشر الصمود امامها و تشكلت قوة الموقع من 9 فصائل مشاة ميكانيكية و قوات مدرعة و بها احتياطي ذخيرة و تكديسات ادارية تكفي لقتال شهرين تحت الحصار (راجع مرجع7).
 
 
603 تحتل كبريت:
في يوم 6 اكتوبر 1973 و مع دقات الساعة الثانية و خمس دقائق بعد ظهر هذا اليوم المجيد...بدأ عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس لاحتلال الضفة الشرقية لقناة السويس و معه عبر اللواء 130 مشاة اسطول من جنوب البحيرات المرة بهدف منع تقدم مدرعات العدو من ممر الجدي نحو القناة و العمل كمفرزة متقدمة للجيش الثالث الميداني و ذلك لحين فتح الثغرات بالساتر الترابي و اتمام انشاء الكباري و المعديات و عبور الدبابات و تصبح لرؤوس كباري الخمس فرق مشاة القدرة علي صد الهجوم المضاد للعدو و تقدموا بالفعل و وصلوا لتقاطع طريق ممر الجدي مع عرضي 3 و اشتبكوا مع العدو هناك و نجحوا في تعطيله حتي منتصف ليلة 6-7 اكتوبر و صدرت التعليمات لقيادة اللواء بالارتداد لراس كوبري الفرقة السابعة مشاة و العمل كراس شاطئ للحد الايسر للفرقة (راجع مرجع 7).
 في مساء 8 اكتوبر صدر الامر للكتيبة 603 بالاعداد لاحتلال نقطة كبريت الحصينة شرق القناة و في صباح يوم 9 اكتوبر بدات قوات الكتيبة مدعومة بدبابات من الكتيبة 602 بالتقدم في اتجاه النقطة و نظم المقدم ابراهيم عبد التواب القوات بحيث انها تهاجم النقطة من اتجاهين هما الشرق و الجنوب شرقي نظرا لما يتطلبه الهجوم علي نقطة حصينة من قوة ضخمة تقدر بلواء(نسبة الهجوم في الاوضاع العادية تكون 3:1 بمعني ان سرية تهاجم بكتيبة اما في حالة نقطة محصنة فتكون النسبة 9:1 بمعني ان سرية تهاجم بلواء) و هي قوة غير متوفرة له  و عليه اعطي التعليمات لرجاله بضرب حصار حول النقطة بهذا الشكل و بعد اكمال الحصار وجّه كل قوة نيرانه تجاه النقطة و بعدها تم اقتحام النقطة و نجح الرجال في احتلال النقطة و رفعوا عليها العلم المصري. ( راجع مرجع 8).
 

معارك 603 بكبريت و فترة الحصار:
بعد نجاح رجال الكتيبة في احتلال النقطة في 9 اكتوبر و فرض سيطرتهم عليها، بدأ المقدم ابراهيم عبد التواب في تنظيم الدفاع عن النقطة و عمل حقول الغام امام حقول الالغام الاسرائيلية في شرق النقطة و بدأ في تكديس ما تركه الاسرائيليون من سلاح و ذخيرة و مواد اعاشة لاستخدامها في حال حصار النقطة و هو امر كان يعلم انه قادم لا محالة (راجع مرجع 8).
في 18 اكتوبر تعرضت النقطة لقصفات نيرانية مركزة بواسطة الطيران و المدفعية الاسرائيلية و بشكل شبه متوالي مما دمر اغلب تشوينات الذخائر و الاسلحة و التكديسات الادارية بالنقطة و كانت الضربات مركزة حتي انها نجحت في هدم اجزاء كثيرة في النقطة و بالطبع فقد فقدت النقطة اتصالها مع الفرقة 7 مشاة و تم دفع دورية لتحقيق اتصال مع العميد أ.ح/ أحمد بدوي قائد الفرقة لابلاغه بان نقطة كبريت لازالت موجودة و لم تخرج من العمليات و لدعمها ان امكن و بالفعل وصلت الدورية الي هناك و قد قام قائد الفرقة بدفع دورية استطلاع اخري للتحقق من موقف الكتيبة تماما و تم امداد النقطة بما يلزم من اسلحة و ذخائر و ادوية و تعيينات خلال يوم 19 اكتوبر تحسبا لاحتمالات حصار النقطة. (راجع مرجع 6 و 7).

في خلال ايام 19، 20 و 21 اكتوبر استمرت القصفات النيرانية المركزة بواسطة الطيران و المدفعية علي النقطة بقنابل زنة 500 رطل و 1000 رطل و 2000 رطل و قنابل بلي و فوسفورية حارقة و نابالم بشكل اصبح من المستحيل معه بقاء احياء بالنقطة و بعد غروب شمس يوم 21 اكتوبر بدأت دبابات و مدرعات الاسرائيليين بالتقدم تجاه النقطة لاستردادها و نظرا لتضرر اغلب الاسلحة و الذخائر بالنقطة نتيجة القصف المتواصل فكانت تعليمات عبد التواب لرجاله بان الضرب يكون علي اهداف نسبة الاصابة  100% فقط  و كانت اشارة بدء الهجوم هي قنبلة مضيئة سوف يطلقها قائد سرية الهاون و عند وصول دبابات الاسرائيليين الي الحد الامامي لحقل الالغام المصري اعطي القائد اشارة البدء للجميع ففتحت كل اسلحة الكتيبة نيرانها في نفس التوقيت و اصيبت 17 دبابة و مدرعة في ذلك اليوم و تراجعت باقي القوة نظرا للخسائر التي منيت بها (راجع مرجع 8 و 9).
في خلال ايام 22، 23 و 24 اكتوبر كثفت القوات الاسرائيلية هجومها الجوي علي الموقع بهدف اجبار رجاله علي الاستسلام و حاولت خلال يوم 22 اكتوبر قبل اخر ضوء الهجوم علي الموقع مرة اخري و نتيجة للخسائر بسبب مقاومة رجال الموقع اوقفوا الهجوم في هذا اليوم...و في يوم 24 اكتوبر بدأت القوات الاسرائيلية تنفيذ حصار شامل علي النقطة و انقطع الطريق البري الواصل بين النقطة و الفرقة 7 مشاة و انقطعت وسائل الاتصال بها...و هنا اصبحت النقطة في عزلة تامة (راجع مرجع 6 و 7).

خلال الفترة التي تلت ذلك و حتي يناير 1974 بدأت النقطة في مجابهة الجوع و العطش الذي فرضه الحصار عليها...فتم عمل دوريات تسلك طريق البحيرات حتي قيادة الفرقة 7 و تعود محملة بما تستطيع من مؤن و ذخائر للموقع و اطلق عليها رحلات الموت...في بداية الحصار كان التعيين المخصص للفرد في اليوم يقتسمه اثنين ثم صار يقتسمه 4 ثم 6 ثم 8 حين شح التعيين جدا...و كانوا يشربون اي مياه يتحصلون عليها..ماء النتح في الصباح الباكر او مياه رادياتير السيارات او المعدات المدمرة الي ان وصل الامر لعمل جهاز لتقطير مياه البحيرات...باستخدام تانكات وقود لمعدات مدمرة بعد غسلها و غلي الماء بها ثم استقبال البخار في مواسير و تكثيف البخار  بالخيش المبلل و استقبال الماء الناتج في انية اخري...و مع تكرار التجارب امكن انتاج مياه صالحة للشرب نسبيا بمقدار فنجال للفرد في اليوم (راجع مراجع 6، 7، 8 و 9).


اما عن الجانب العسكري في ذلك الوقت فلم تنقطع الغارات الاسرائيلية علي النقطة خلال تلك المدة و كانت عندما تنتهي الغارات قبل اخر ضوء بساعتين او ثلاثة كان رجال الموقع يستنتجون ان الاسرائيليين يستعدون لهجوم بري علي الموقع...ففي احد الايام توقفت غارات الطيران حوالي سعت 1600 (الرابعة عصرا) و بعدها بساعة بدأ هجوم علي الموقع بدبابات و مدرعات و لم يكن بالموقع قواذف مالوتكا مضادة للدبابات صالحة للعمل سوي 3 قواذف فتم اطلاق 3 صواريخ علي الوحدات المتقدمة و تم اصابة 3 مدرعات علي مسافة 2 كم من الموقع و توقف الباقي و لم يكملوا فتح تشكيلهم لبدء القصف علي الموقع...وفي يوم 14 يناير 1974 و اثناء احد غارات المدفعية اصيب المقدم/ابراهيم عبد التواب بشظية في ظهره لفظ علي اثرها انفاسه الاخيرة و تولي الرائد/سعد الدسوقي قيادة الكتيبة خلفا له (راجع مرجع 6 و 7). 

معارك الثغرة و تطور الموقف بها:
تبلورت فكرة عبور القوات الاسرائيلية لغرب القناة يوم 14 أكتوبر بعد فشل تطوير الهجوم المصري في ذلك اليوم و تم تحديد منطقة الدفرسوار شرق القناة للعبور منها الي الشرق و تكوين راس جسر غرب القناة و تم تكليف فرقة الجنرال شارون (2 لواء مدرع و لواء مظلي) و فرقة الجنرال برن (2 لواء مدرع) للقيام بهذا الهجوم و فتح الطريق و تأمين رأس الجسر و تحددت سعت 1900 يوم 15 اكتوبر لبدء العبور (راجع مرجع 4 ص346).

صباح 15 أكتوبر و مع الساعات الاولي بدأ لوائي المدرعات من فرقة شارون الهجوم في اتجاهين مختلفين علي راس كوبري الفرقة 16 مشاة لجذب النظر عن منطقة العبور المخططة حيث هاجم لواء توفيا اللواء 3 مشاة ميكانيكا لواء الوسط للفرقة 16 من اتجاه الشرق اما لواء امنون و هو صاحب المهمة الاساسية في المعركة فقد هاجم اللواء 16 مشاة من اتجاه الجنوب بهدف زحزحة الدفاعات المصرية الي الشمال لفتح الطريق لقوة العبور و كان عليه فتح تقاطع محوري اكافيش و طرطور مع عرضي 2 و السيطرة علي موقع مزرعة الجلاء للابحاث الزراعية او ما عرف ب "المزرعة الصينية".

كانت القوات المصرية قد اغلقت محور اكافيش فقد بدأ لواء امنون بمهاجمته ب 58 دبابة فقد منهم 27 في الدقائق الاولي و رجع دون تحقيق اي نتيجة و في الثانية سار بمحاذاة الساتر التراب ففوجئ انه دخل بالخطأ منطقة شئون ادارية للفرقتين 16 مشاة و 21 مدرعات و لصلابة الدفاع ارتد ثانيا دون بلوغ المراد ثم حاول للمرة الثالثة بكتيبة مشاة ميكانيكا مدعمة بسرية دبابات و لكن دمروا عن اخرهم تقريبا و حتي محاولاتهم لتخليص الاحياء لم تفلح (راجع مرجع 2). 
 
في سعت 1900 بدأ شارون هجومه باستخدام كتيبتي مظليين و دبابات بهدف اختراق الخطوط المصرية و الوصول لمنطقة العبور و بعد منتصف الليل كان شارون قد نجح في احتلال المنطقة المخططة للعبور علي الطرف الشمالي للبحيرات المرة و لكن الطريق كان قد اغلق و معدات العبور لم تسطع الوصول لحافة القناة.

16 أكتوبر سعت 0615 كان المظليون قد اتموا عبورهم للغرب لكن لم تكن الدبابات قد وصلت نظرا لتأخر وصول معديات العبور بسبب غلق المصريون للطريق المؤدي للقناة.

سعت 0900 كان لدي شارون في الغرب كتيبة مظليين و كتيبة دبابات و كانت مهمة المظليين هي تأمين منطقة راس الجسر في الغرب لحين اتمام انشاء الكوبري اما الدبابات فكانت مهمتها مهاجمة بطاريات الصواريخ في المنطقة لفتح ثغرة بالسماء. (راجع مرجع 4 ص 348 و مرجع 2).

في صباح هذا اليوم قام امنون بهجومه الرابع ضد اللواء 16 مشاة لفتح تقاطع الطرق فهاجم بكتيبة مدرعات مدعمة ببعض دبابات تم اصلاحها خلال ليلة اليوم السابق و نظرا لنقص ذخائر اللواء 16 بسبب معارك اليوم السابق و مع اتباع امنون لتكتيك الاشتباك عن بعد فأدي ذلك لاستنفاذ ذخائر قوة الدفاع عن تقاطع الطرق و انسحبت من مواقعها و نجح امنون في فتح التقاطع بالرغم انه لم يكم معه سوي 27 دبابة من 120 بدأ بهم المعركة في اليوم السابق (راجع مرجع 2).

لقد امتدح ديان في مذكراته (مرجع 4 ص 352) مجهود رجال لواء امنون اذ قال "لقد احتل رجال هذا اللواء راس الجسر المصري في الضفة الشرقية خلال معركة مدرعة وحشية، ففي هذه المعركة قتل اكثر من مائتي رجل من لواء امنون كما قتل جميع قادة السرايا مرتين، فبعد ان قتل القادة الاصليون قتل ايضا بعد ذلك القادة الذين حلوا محلهم، فاصبح القادة الحاليون هم قادة الصف الثالث، و قد ضربت معظم الدبابات و احترقت او دمرت و تركت محترقة عند الاستحكامات القوية".

و نظرا لخسائر لوائي المدرعات التابعين لفرقة شارون في فتح تقاطع الطرق فقد تم سحبهم لاعادة التجميع و تحريك لوائي مدرعات فرقة برن لاحتلال موقع المزرعة الصينية و بالرغم من كم الخسائر التي مني بها اللواء 16 مشاة خلال المعارك في 15 و 16 اكتوبر الا انه نجح في تكبيد فرقة برن خسائر كبيرة و مع قرب حلول مساء يوم 16 اكتوبر لم تنجح فرقة برن في تحقيق اي انجاز في احتلال المزرعة الصينية و عليه طلب دعم من لواء عوزي المظلي المتواجد بالقطاع الجنوبي للقيام بتلك المهمة (راجع مرجع 2 و مرجع 4 ص 348 و 349).

قال ديان في مذكراته عن تلك المعركة (مرجع 4 ص 349) "كانت المعركة في جبهة القناة تتميز بكثافة النيران و انها معركة محترفين، و كانت قيادة برن المتقدمة عبارة عن سيارتي نصف جنزير و عدة سيارات جيب علي تل رملي يشرف علي منطقة القناة علي مسافة سبعة اميال، و كانت الدبابات التي تحاول ان تتقدم ناحية القناة تشتعل او تضرب او يهجرها اطقمها متجهين نحونا علي اقدامهم بحثا عن مخرج تحت قصف مركّز من مدفعية الاعداء".

و مع قرب منتصف ليلية 16/17 اكتوبر بدأ لواء عوزي المظلي التقدم نحو المزرعة الصينية لاحتلالها و كانت معركة رهيبة، فقد فتح المصريون كل اسلحتهم من رشاشات و جرينوف و كلاشينكوف و هاون علي القوات الاسرائيلية المتقدمة و نظرا لانهم محصنين جيدا لم يحتاجوا للخروج من تحصيناتهم لمواجهة المظليين الاسرائيليين الذين اكتفوا بلصق وجوههم بالارض و قال قائد القوة الاسرائيلية "لقد تبعثرت اشلاء جنودي علي كل خطوط الدفاع المصرية" و طلب المدرعات لستر انسحاب رجاله و انقاذ الجرحي و حين وصلت المدرعات تكبدت خسائر كبيرة بسبب صواريخ مضادة الدبابات و تقريبا نجوا باعجوبة من هناك و بلغت خسائر لواء المظليين 70 قتيلا و 100 جريح بالاضافة الي 13 دبابة دمرت هناك، و نظرا لانشغال المصريين بالقتال الدائر في المزرعة الصينية فغفلوا عن منطقة المحاور نجحت قوات برن المكلفة بنقل الجسر في استغلال تلك الغفلة و وصلت الي خط المياه في الساعات الاولي لصباح 17 اكتوبر (راجع مرجع 2).
 

17 أكتوبر في الساعات الاولي من صباح هذا اليوم و مع انشغال المصريين في معركة المزرعة الصينية نجح برن و رجاله في دفع جسر العبور الي خط المياه و كان من المفترض ان يكون جاهز بحلول سعت 1100 لكن نتيجة لبدء القصف المصري علي منطقة راس الجسر تأجل الموعد لبعد الظهر و بالرغم من القصف المركّز علي الموقع من المدفعية المصرية الا ان العمل علي الجسر لم يتوقف و بدأت المعديات العمل ايضا لتدعيم القوة الموجودة غرب القناة حتي تصل الي قوة لواء و في سعت 1600 كان الجسر جاهزا تماما لبدء العبور و في سعت 2200 بدأت فرقة برن بالعبور الي الغرب (راجع مرجع 4 ص 351، 352 و 353).
بدأ المصريون في التخطيط لضرب الثغرة عن طريق غلق ممر العبور المفتوح في الشرق بتوجيه ضربة له من الشمال باللواء الاول مدرع من الفرقة 21 مدرعات و اخري من الجنوب باللواء 25 مدرع التابع للجيش الثالث الميداني و ضربة في غرب القناة للقوات المتواجدة في راس الجسر باللواء 116 مشاة ميكانيكا في اتجاه من الشرق للغرب .

مع بدء تنفيذ الخطة و تحرك اللواء 25 مدرع شمالا لاغلاق ممر الثغرة وقع في كمين من فرقة برن و تم تدمير 90% منه و من نجا انسحب الي الجنوب في منطقة دفعه و اصبح خارج خدمة العمليات و اما اللواء الاول المدرع فتقدم في اتجاه الجنوب و نجح في تدمير المواقع الاسرائيلية جنوب المزرعة الصينية و لكنه تعرض لقصف جوي و مدفعي عنيف جعل استمرار تقدمه جنوبا امر مستحيل فاضطر الي الانسحاب ليلا الي داخل راس جسر الفرقة 21 مدرعات و خسر 20 دبابة من اصل 53 بدأ بهم الهجوم و قد قام لواء امنون بهجوم مضاد علي مواقع اللواء الاول مدرع احتل علي اثره المزرعة الصينية بعد ان انهكت قوة الدفاع عنها و في مساء نفس اليوم حاول اللواء 18 مشاة ميكانيكا من الفرقة 21 مدرعات باستعادة موقع المزرعة الصينية الا ان لواء امنون نجح في استغلال تحصينات الموقع و كبّد اللواء خسائر عالية اما اللواء 116 مشاة ميكانيكا فقد وقع في كمين علي طريق ابو سلطان-المعاهدة و تم تدميره عن اخره (راجع مرجع 2 و مرجع 1 ص 290).
 
ذكر ديان في مذكراته ما شاهده من اثار المعركة في المزرعة الصينية (مرجع 4 ص 354) "حرصت علي زيارة المزرعة الصينية، فوجدت مشهدا لا يمكن ان انساه، بل لم اره في حياتي من قبل ولا حتي في افلام السينما فها هي اثار المذبحة التي حدثت و مازال الدخان يتصاعد من بقاياها كدليل حي علي المعركة الرهيبة التي دارت رحاها في هذا المكان".
18 أكتوبر حاول الأول المدرع و اللواء 18 مشاة ميكانيكا في هذا اليوم اعادة احتلال موقع المزرعة الصينية و لكن نجح لواء أمنون في صد الهجوم و اصبح اللواءان خارج خدمة العمليات تماما نظرا لفداحة الخسائر التي تعرضوا لها خلال معارك تطوير الهجوم و الثغرة و بدأ لواء أمنون في هجمات مضادة مستمرة لتوسيع و تأمين ممر العبور(راجع مرجع 2).

19 أكتوبر شددت القوات المصرية القصف علي الجسر خلال الظهر بالطيران و المدفعية بشكل تعذر معه عبور وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان الي الغرب لمتابعة عمل قواته هناك (راجع مرجع 4 ص 355)
خلال ليلة 20/21 أكتوبر اتمت فرقة الجنرال كلمان ماجن العبور الي الغرب و في 22 أكتوبر حاولت قوات شارون في الغرب احتلال الاسماعيلية لكن منيت بفشل ذريع بفضل تنظيم الدفاع الجيد عن المدينة بقوات الجيش الثاني الميداني اما في الجنوب فقد نجحت فرقتا برن و ماجن في في احتلال جبل عتاقة و ميناء الادبية في 23 أكتوبر و حاولوا احتلال السويس في 24 أكتوبر لكن فشلوا نظرا لتنظيم الدفاع عنها بواسطة الفرقة 19 مشاة و المقاومة الشعبية بالمدينة فضربوا الحصار حولها و طوقوا ظهر الجيش الثالث الميداني (راجع مرجع 1 ص 302، 303 و 304 و مرجع 4 ص 356 و 357) 
بدءاً من يوم 25 أكتوبر لم يعد امام الاسرائيليين اي اهداف حيوية او استراتيجية يمكنها احتلالها في غرب القناة و خصوصا بعد فشل احتلال الاسماعيلية و السويس و علي الورق توقف القتال نظرا لقرار وقف اطلاق النار و هو ما سنتناوله لاحقا بالتفصيل.

ملحوظة: نظرا للاضرار التي لحقت بالجسر الاسرائيلي في الثغرة من جراء المدفعية المصرية قد اقاموا جسرا حجريا في تلك المنطقة بدلا من الجسر العائم و ذلك عن طريق الردم باستخدام الحجارة و الرمال في القناة عند الدفرسوار نظرا لان سرعة التيار في ذلك لمكان تساوي صفر و قد انهوه و افتتحوه للعمل في 7 ديسمبر 1973
بدأت القوات المصرية شرق القناة و غربها تحسين اوضاعها كالتالي(راجع مرجع 10) :
1- اعادة تجميع الفرقة 21 مدرعات في ابو سلطان و الفرقة 4 مدرعات علي طريق القاهرة السويس.
2- اعادة تكوين الفرقتين 23 و 6 مشاة ميكانيكا بعد الخسائر التي تعرضوا لها اثناء معارك غرب القناة.
3- اعادة تشكيل حائط الدفاع الجوي بعد خسائره اثناء الثغرة و دفعه بحيث يغطي القوات الموجودة غرب و شرق القناة.
4- حشد فرقة مشاة جديدة + لواء من قوات عربية مختلطة.
5- تدعيم الفرقة 16 مشاة بعد خسائرها الكبيرة اثناء معارك الثغرة شرق القناة.

و بعد اكتمال تلك التجهيزات في 1 ديسمبر 1973 اصبحت القوات المصرية شرق و غرب القناة جاهزة لتصفية الثغرة بعد ان اصبحت القوات الاسرائيلية شبه محاصرة هذا بالاضافة الي انه خلال تلك الفترة بدأت معارك استنزاف يومية ضد القوات الاسرائيلية غرب القناة باستخدام القوات الخاصة.

و قد علق ديان في مذكراته (مرجع 4 ص384) عن تلك القوات و قال "كان لمصر في ذلك الوقت 1700 دبابة علي الضفتين، 700 في الشرق و 1000 في الغرب، و هناك 600 دبابة اضافية في الغرب علي الخط الدفاعي الثاني للدفاع عن القاهرة، و كان لديه اكثر من الفي مدفع و 500 طائرة و علي الاقل 190 بطارية صواريخ سام ملتفة حول قواتنا لمنع اي دعم جوي لها"

و تم اعداد خطة لتصفية الثغرة اطلق عليها اسم "شامل 2" و سميت هكذا نظرا لانه كان هناك "شامل" لتصفية الثغرة و لكن اجري عليها بعض التعديلات...و كانت الخطة كالاتي:
1- ضربة من فرقة 16 مشاة في اتجاه جنوب غرب لغلق ممر العبور للثغرة.
2- ضربة علي محور ابوسلطان في اتجاه الدفرسوار و ذلك لتصفية قاعدة الثغرة غرب القناة باستخدام الفرقة 21 مدرعات ضد قوات شارون علي ان تعمل الفرقة 23 مشاة ميكانيكا كنسق ثان ل 21.
3- ضربة بالفرقة 3 مشاة ميكانيكا علي محور جنيفة في اتجاه البحيرات المرة الصغري لتدمير القوات ما بين فايد و الجناين.
4- ضربة بالفرقة 4 مدرعات علي محور السويس لفك الحصار عن المدينة علي ان تعمل فرقة المشاة العربية كنسق ثان لها.
5- ضربة علي المحور الساحلي علي خليج السويس باستخدام اللواء المغربي.
 
بالطبع لم يتم تنفيذ تلك الخطة نظرا لتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الاولي في 14 يناير 1974  و هو ما سنتناوله في الفقرة القادمة عندما نتحدث عن التطور السياسي للموقف و انعكاسات الموقف العسكري عليه.

انتقال المعركة الي مائدة المفاوضات و تطور الموقف:
منذ اليوم الاول للمعارك علي جبهة القناة و الاتصالات لا تنقطع من اجل وقف اطلاق النار و لكن الرئيس السادات كان يرفض...لكن بعد اجتماع للمجلس الاعلي للقوات المسلحة لبحث موقف الثغرة ليلة 20/21 اكتوبر كان السادات قد قرر قبول وقف اطلاق النار و بلغ ذلك للولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي و تم عقد اجتماع لمجلس الامن في الساعات الاولي لصباح يوم 22 اكتوبر لبحث مسألة وقف اطلاق النار و قرر في الساعة 0550 من هذا اليوم قرار رقم 338 الاتي بدعوة جميع الاطراف المشتركة في الحرب الحالية الي ايقاف اطلاق النار و انهاء كل نشاط حربي فورا في موعد لا يزيد علي 12 ساعة من لحظة صدور هذ القرار و ذلك في المواقع التي تحتله الاطراف الان، و عندما صدر القرار وافقت كل من مصر و اسرائيل علي التنفيذ سعت 1852 من يوم 22أكتوبر (راجع مرجع 3 ص 407).

بالرغم من موافقة اسرائيل علي القرار الا انها لم تلتزم به...اذ انه في تلك الساعة من يوم 22 اكتوبر لم تكن قد حققت اي تقدم عسكري في غرب القناة يمكنها من تشكيل ضغط سياسي علي مصر و عليه فقد استمرت بتحريك قواتها في غرب القناة تجاه الجنوب لاحتلال جبل عتاقة و ميناء الادبية و اكمال حصر الجيش الثالث الميداني و مدينة السويس و قد استمرت في ذلك حتي مساء يوم 23 اكتوبر (راجع مرجع 3 ص409-411).

و قد ابلغت الخارجية المصرية مجلس الامن بتجاوزات اسرائيل و عليه اجتمع مجلس الامن في مساء 23 اكتوبر لبحث ذلك الامر و خرج بقرار رقم 339 و هو تاكيد علي القرار السابق الخاص بوقف اطلاق النار و ان القوات المتحاربة تلتزم بالمواقع المحتلة حتي تاريخ اصدار قرار 338 و لما زار الجنرال سلاسيفو قائد قوات الطوارئ الدولية الي اسرائيل و ابلغ وزير الدفاع الاسرائيلي بضرورة تنفيذ وقف اطلاق النار علي خطوط 22 اكتوبر و وضع مراقبين دوليين لمراقبة وقف اطلاق النار فاعطاه ديان خريطة بمواقع القوات الاسرائيلية يوم 23 اكتوبر متضمنة جبل عتاقة و ميناء الادبية (راجع مرجع 3 ص 411 و مرجع 2 ص 358).

و كسرت اسرائيل القرار للمرة الثانية و سمحت لقواتها بالعمل علي احتلال السويس يوم 24 اكتوبر و لكنهم فشلوا في ذلك كما ذكرنا سابقا...و في مساء 25 اكتوبر اصدر مجلس الامن قراره رقم 340 و تقرر بموجبه انشاء قوة طوارئ دولية لمراقبة تنفيذ وقف اطلاق النار بناءاً علي قراري 338 و 339 و لقد تقرر ايضا تشكيل لجنة من الطرفين لبحث اجراءات فض الاشتباك و تنفيذ قرارات مجلس الامن و عينت مصر اللواء عبد الغني الجمسي رئيسا للوفد المصري اما اسرائيل فقد عينت الجنرال اهارون ياريف رئيسا لوفدها في تلك المباحثات.

تقرر ان تعقد تلك الاجتماعات عند علامة الكيلو 101 طريق القاهرة السويس الصحراوي و بحضور ممثلا عن قوات الطوارئ الدولية و هو الجنرال سلاسيفو (راجع مرجع 3 ص 413).
تم عقد اول اجتماع بين الوفدين ليس عند العلامة المحددة بواسطة الاطراف الثلاثة مسبقا و لكن في منطقة عمل القوات الاسرائيلية علي مسافة 4 كم لحين انتظام عمل قوات الطوارئ الدولية و كان اول اجتماع للوفدين في 28 اكتوبر سعت 0130...و استمرت الاجتماعات تتم في هذا المكان الي ان انتظم عمل قوات الطوارئ و بدأت تعقد الاجتماعات عند علامة الكيلو 101 (راجع مرجع 3 ص 439-442).

منذ اللحظة الاولي لتلك الاجتماعات و كانت هناك موضوعات ثابتة للنقاش و هي امدادات مدينة السويس و الجيش الثالث بامدادات غير عسكرية و العودة الي خطوط 22 اكتوبر و تبادل الاسري.
نتيجة للضغط السياسي الذي قامت به مصر و يدعمها الاتحاد السوفييتي و الضغط الذي شكله الوفد المصري علي الوفد الاسرائيلي في 101 بدأت الامدادات تنتظم لمدينة السويس و قوات الجيش الثالث شرق القناة مع وعود من مصر بتسليم الاسري و الجرحي و لكن بترتيب اجراءات مع الصليب الاحمر...اما فيما يتعلق بقرار 338 و 339 فلم تقدم اسرائيل الا المماطلة في تلك النقطة تحديدا...فتارة تقدم عروض غير منطقية و مرفوضة تماما من الجانب المصري و تارة تعد بان الامر في اهتمامات الحكومة الاسرائيلية...و ظلت هكذا حتي ظهر هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي علي الساحة و زار القاهرة في 6 نوفمبر .

لقد ذكر ديان في مذكراته عن موضوع خطوط 22 اكتوبر بعد ان بعث اليه الجنرال سلاسيفو يبلغه بقرار الامم المتحدة بتنفيذ قرارات 338 و 339 و 340 و كلها تقضي بانسحاب اسرائيل الي خطوط 22 اكتوبر ما يلي (مرجع 4 ص 365) "لم اكن اعتقد بعد ان فشلت الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي في ان يجعلانا ننسحب الي خطوط 22 اكتوبر ان هناك اية قوة يمكن ان تجعلنا نستجيب لطلب الامم المتحدة". 
كان كيسنجر يؤمن بان الحل يجب بان يتم بسياسة "خطوة بخطوة" و لابد ان يكون من خلال الولايات المتحدة و هو ممثلها في تلك المهمة..لذلك حين قدم الي مصر حدثت مفاوضات بينه وبين السادات و تم عمل مشروع "اتفاقية النقط الست" و تمت الموافقة عليه في 9 نوفمبر..و تم توقيع الاتفاقية في 11 نوفمبر 1973 بين قادة الوفدين العسكريين في الكيلو 101 و النقاط كانت كالاتي:
1- يتعين علي مصر و اسرائيل ان تلتزما بدقة وقف اطلاق النار الذ دعا اليه مجلس الامن.
2- تبدأ المحادثات فورا بين البلدين بهدف تسوية مسالة العودة الي خطوط 22 اكتوبر ضمن خطة لاتفاق فك الاشتباك و فصل القوات تحت اشراف الامم المتحدة.
3- يتعين ان تحصل مدينة السويس علي امدادات يومية من الطعام و الماء و الادوية و نقل الجرحي منها.
4- لا تفرض اي عوائق تمنع نقل امدادات غير عسكرية الي شرق القناة.
5- تحل مراكز نفتيش تابعة للامم المتحدة محل المراكز الاسرائيلية علي طريق القاهرة السويس الصحراوي و في نهاية الطريق من جانب السويس يسمح للضباط الاسرائيليين الاشتراك مع مسئولي الامم المتحدة في التحري عن طبيعة الامدادات.
6- حال ان تتم اقامة نقاط تفتيش تابعة للامم المتحدة يبدأ تبادل الاسري و الجرحي.

خلال الايام التالية للتوقيع بدأ الوفدين في اتخاذ الاجراءات التنفيذية لتلك الاتفاقية و بقيت النقطة رقم 2 عالقة لحين الفصل بها..و تمت الامور كما ارادوا لها و لكن بقيت مشكلة خطوط 22 اكتوبر لم تحل و ظلت المماطلة من جانب اسرائيل هي شعارهم الدائن في الكيلو 101 حتي خرج اللواء الجمسي من خيمة الاجتماعات في يوم 28 نوفمبر ليعلنها امام الصحفيين ان المباحثات وصلت الي طريق مسدود و اعلن المتحدث الرسمي المصري في بيان له ان مصر قررت وقف المحادثات نظرا لمراوغة اسرائيل في تنفيذ النقطة رقم 2 من اتفاقية النقاط الست (راجع مرجع 3 ص 449 و 454 ).

عقد مؤتمر جنيف للسلام في 21 ديسمبر 1973 و علي هامشه عقدت عدة اجتماعات بين وفد عسكري مصري برئاسة اللواء طه المجدوب و وفد اسرائيلي برئاسة الجنرال موردخاي هود و لم يصل الطرفان لنتيجة في هذه النقطة تحديداً...و كان رد الوفد الاسرائيلي ان الحكومة لم تصل لقرار بهذا الشأن حتي الان و انه قيد الدراسة و ليسوا مخولين ببحث هذه النقطة و كان ذلك في 9 يناير 1974 (مرجع 3 ص 455).
لقد اوضح ديان في مذكراته ان خروجهم من غرب القناة او العودة لخطوط 22 اكتوبر لابد ان يكون له ثمن غال يدفعه المصريون ولابد ان يكون هناك ضمانات لعدم نشوب حرب مجددا و فتح مضيق باب المندب للملاحة الاسرائيلية (راجع مرجع 4 ص 377-378).

 بداية من 11 يناير 1974 بدأ هنري كيسنجر في رحلات مكوكية بين اسوان و القدس لبحث حل ازمة فض الاشتباك الموجود في منطقة القناة و هو يبحث الامر مع السادات من ناحية و مع الحكومة الاسرائيلية من جهة اخري و في 17 يناير اذيع انه تم التوصل الي اتفاق لفض الاشتباك بين المتحاربين و تم توقيع الاتفاقية بين الطرفين يوم 18 يناير 1974 و وقع ممثلا عن مصر رئيس اركانها الفريق الجمسي و وقع ممثلا عن اسرائيل رئيس اركانها الجنرال ديفيد بن اليعازر و حددت الاتفاقية منطقة عازلة شرق القناة تعمل فيها قوات الامم المتحدة علي ان يكون لمصر الجزء من شرق القناة حتي الحد الغربي للمنطقة العازلة و لاسرائيل الحد الشرقي من المنطقة العازلة حتي خط الحدود الدولية....و تقرر ان يكون شرق و غرب المنطقة العازلة منطقة محدودة التسليح للطرفين تقرر ان يكون فيها لمصر 7000 جندي و 30 دبابة شرق القناة و قد بدأ التنفيذ في 25 يناير و انتهي في 5 مارس 1974 (راجع مرجع 3 ص 457 و 460).

ربط خط سير الاحداث العسكرية و السياسية و فصل النهاية للملحمة:
لعل البعض يظن اننا شردنا عن ابطال بحثنا هذا ابطال نقطة كبريت و لكن الحقيقة ان كل ما ذكر عن الثغرة و المعركة السياسية فيما بعد لم يكن الا لتوضيح بطولة رجال كبريت البواسل و لكن دعونا اولا نضع فصل النهاية لمقاومة هؤلاء الابطال...ففي 20 يناير 1974 وصل الامداد للنقطة عن طريق مسئولي الامم المتحدة لاول مرة ثم في 27 يناير انهت الدبابات الاسرائيلية الحصار حول النقطة و في 13 فبراير سلم الرائد/سعد الدسوقي قائد الموقع بعد استشهاد المقدم/ابراهيم عبد التواب الموقع الي رجال الجيش الثالث الميداني ليعود بعدها ابطال الكتيبة الي منطقة تمركز اللواء في العامرية (راجع مرجع 6).

لقد قصدنا في سردنا لاحداث الثغرة و العمليات السياسية فيما بعد الي سردها في شكل يوميات و تطورات الموقف يوم بيوم و ذلك بهدف ربطها باحداث معركة كبريت...اذ تجد انه بالرغم من نجاح لواء امنون المدرع فيما قبل يوم 18 اكتوبر-و هو اليوم الذي بدأ فيه القصف يشتد ضد موقع كبريت- في احتلال موقع المزرعة الصينية و تامين معبر الثغرة الا ان هذا لم يجعل المعبر بعيدا عن نيران المدفعية المصرية و كذلك حالة القلق و التوتر المستمرة لدي القادة الاسرائيليين بسبب احتمال اقدام المصريين علي عملية عسكرية لغلق ممر العبور و هو ما تكرر خلال فترة المعارك كثيرا بالرغم من فشله حتي انه في يوم 19 اكتوبر لم يستطع موشي ديان وزير الدفاع العبور الي الغرب بسبب شدة القصف علي الجسر.

ان ما قاله ديان في مذكراته و ذكرناه تفصيلا يوضح كم الخسائر التي تعرضوا لها في سبيل فتح معبر واحد فقط في الدفرسوار عرضه 7 كم فقط ليكون خط وصولهم الي غرب القناة...و بالرغم من نجاحهم في البداية بضرب حصار حول الجيش الثالث الميداني الا انهم شعروا ان بقاء منفذ واحد فقط للثغرة في الدفرسوار امرا ليس جيدا لهم علي الاطلاق خصوصا انه بدءاً من يوم 18 اكتوبر صباحا قد بدأت تنتشر فرقة برن في غرب القناة و لحقت بها فرقة ماجن ليلة 21 اكتوبر و بدأوا معا في احتلال جبل عتاقة و ميناء الادبية و حصار السويس خلال ما تلا تلك الايام و حتي يوم 24 اكتوبر و معني ذلك ان لهم في الغرب 3 فرق منهم فرقتان تبعدان مسافة كبيرة عن المعبر الوحيد للغرب الذي يتنفسوا منه جميعا اذ انهم في الجنوب و المعبر في الشمال و لهذا نجد ان اعنف المعارك التي خاضها رجال كبريت و ذكروها جميعا بدون استثناء كانت معارك ما قبل الحصار من 20 و حتي 24 اكتوبر حتي ان القصفات التي تعرضوا لها في تلك الايام كانت تصنع حفرا باقطار كبيرة في الارض.

لقد كان الاسرائيليون يماطلون في المفاوضات علي امل واحد فقط هو ان تستطيع قواتهم ان تجبر رجال كبريت علي الاستسلام و خصوصا بعد توقيع اتفاقية النقاط الست...ان الامر لم يكن يحتاج لتفكير لديهم فهو مسالة حياة او موت..فهم لديهم 3 فرق في الغرب تتنفس من معبر واحد في الشمال عند الدفرسوار و فرقتين من الثلاثة ترتكزان جنوبا لحصار الجيش الثالث و المعبر بعيد نسبيا عنهم و الطريق المؤدي لهم في مرمي مدفعية المصريين و امامهم مضيق في القناة بين البحيرات لا احد يشعر بوجوده غيرهم و به نقطة معزولة تبعد عن الجيش الثالث 15 كم و عن الجيش الثاني 25 كم اي انها خارج مدي المدفعية المصرية و بعرض 40 كم و بها حفنة من رجال عاديين او كما كانوا يظنون انهم عاديين...انها جنة عدن لتلك القوات في الغرب التي تحاصر الجيش الثالث و ستمكنهم من الصمود امام القوة التي بدأت تتشكل غرب الثغرة و علي استعداد لتدميرها كما انهم اذا ارادوا زيادة تامينها من الناحية الهندسية فيمكنهم بدلا من اقامة جسر عائم طويل نسبيا في هذه المنطقة فانهم يمكنهم ان يردموها بالرمال و الحجارة لان سرعة التيار في هذا المكان ستكون صفر نظرا لاتساع المسافة بين الجزيرة المقابلة للنقطة و الضفة الغربية للقناة.

و لهذا يمكننا القول بحق و دون تردد اطلاقا انه لولا صمود نقطة كبريت في مواجهة الحصار لما كان للقيادة المصرية القدرة علي التخطيط للخطة شامل لتدمير الثغرة ولا القدرة علي التفاوض من اجل فض الاشتباك...و اظن انه لولا بقيت كبريت في يد المصريين لما تنازل الاسرائيليين اطلاقا عن انسحاب الجيش المصري بكامله الي غرب القناة و ان تكون المنطقة العازلة بين شرق و غرب القناة.


المصادر:
1- مذكرات حرب اكتوبر للفريق سعد الشاذلي (دار بحوث الشرق الاوسط الامريكية- الطبعة الرابعة)
3- مذكرات حرب اكتوبر للمشير محمد عبد الغني الجمسي (دار بحوث الشرق الاوسط الامريكية- طبعة 2012 )
4- مذكرات موشي ديان (دار الخلود للنشر و التوزيع- الطبعة الاولي)