مع الكشف عن نموذج مجسم لطائرة مقاتلة من الجيل السادس من إنتاج الصين، "BaiDi"، والمعروفة أيضًا باسم "الإمبراطور الأبيض"، قد يجد الجيش الأمريكي نفسه في موقف غير متوقع وحساس. في حين يفتقر العرض الصيني إلى معلومات تقنية مفصلة، إلا أنه يمثل إشارة استراتيجية قوية. يبدو أن المقاتلة ترمز إلى صعود أمة عازمة على مطابقة أو حتى تجاوز منافسيها في التفوق الجوي التكنولوجي.
يأتي هذا في وقت حيث توقف برنامج الجيل السادس من المقاتلات الأمريكية - برنامج الهيمنة الجوية للجيل القادم [NGAD] - بسبب التحديات المالية الهائلة. بينما تكافح الولايات المتحدة مع القضايا المفاهيمية والميزانية، تستغل الصين التوقف، وتطالب بمستقبل الهيمنة الجوية. إن مجرد عرض النموذج، على الرغم من أنه ليس طائرة تشغيلية فعلية، يفرض بالفعل ضغوطًا على واشنطن لإعادة تقييم برنامجها الخاص.
إن المحللين الأمريكيين يدركون أن "الإمبراطور الأبيض" قد لا يمثل مقاتلة حقيقية عملية، بل أداة استراتيجية لعرض القدرات المحتملة. ومع ذلك، فإنه يقوض الثقة في التطورات الأمريكية، ويترك الانطباع بأن القوات الجوية الأمريكية لا تزال تكافح مع العقبات المفاهيمية والميزانية، في حين أن الصين قد تقدمت بما يكفي لإظهار الاستعداد.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا العرض الرمزي هو أكثر من مجرد تحد بصري - إنه لعبة نفسية تثير، حتى بشكل غير مباشر، مسألة ما إذا كانت أميركا ستقود الجيل القادم من الهيمنة الجوية. إذا قفزت الصين إلى الأمام بـ "باي دي"، حتى في مرحلة العرض فقط، فقد يهدد ذلك بتقويض الطيف التكنولوجي الكامل للعمليات الجوية الأمريكية وزعزعة ثقة حلفاء أميركا. ومع هذا، هناك أيضًا خطر أن تكتسب بكين مزايا استراتيجية وجيوسياسية، مما يجذب البلدان التي تسعى إلى تقليل الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية الأميركية.
إن استراتيجية الصين في عرض "الإمبراطور الأبيض" لا تقتصر على التظاهر العسكري ــ بل إنها رسالة إلى العالم بشأن طموحات البلاد التكنولوجية. والواقع أن الخطوات التي اتخذتها الصين نحو إنتاج مقاتلة من الجيل السادس دفعت المحللين الأمريكيين إلى إعادة النظر في الميزانيات العسكرية. والواقع أن القيود المالية المفروضة على برنامج الجيل السادس من الطائرات المقاتلة تعمل حالياً على عرقلة التطور السريع للبرنامج.
ويخضع المشروع للتدقيق من أجل ترشيده، مع العديد من المراجعات التي تهدد بقائه. ومع تقديرات التكلفة بنحو 300 مليون دولار أمريكي لكل طائرة، يواجه برنامج الجيل السادس من الطائرات المقاتلة حواجز مالية خطيرة يصعب تبريرها في مواجهة التحديات الاقتصادية والضغوط السياسية. ولكن الآن بعد أن دخلت الصين المسرح بطائرة "باي دي"، فقد لا يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى زيادة استثماراتها، حتى ولو كان ذلك يعني إعادة تخصيص مؤلمة للموارد العسكرية.
بيد أن احتمالات إحياء برنامج الجيل السادس من الطائرات المقاتلة ليست مجرد مسألة مالية. ذلك أن السباق التكنولوجي ضد منافس قوي مثل الصين قد يدفع الشركات الأمريكية والمختبرات العسكرية إلى الابتكار بما يتجاوز القيود الحالية المفروضة على الطيران.
إن إعادة تشغيل البرنامج بتمويل ودعم كافيين قد يؤدي إلى تطور نظام الدفاع الجوي الجديد إلى منصة لا تتفوق على التطورات الصينية فحسب، بل وتضع معايير جديدة للدفاع الجوي العالمي. إن إمكانات الابتكار هنا هائلة ــ من دمج مهام الطائرات بدون طيار المشتركة إلى العمليات القتالية المستقلة والمراقبة المتقدمة من خلال أجهزة الاستشعار التي تخلق صورة حقيقية لساحة المعركة.
إن إحياء نظام الدفاع الجوي الجديد يفتح أيضاً المجال أمام الولايات المتحدة للبحث عن تحالفات استراتيجية وشراكات دولية مع قوى عسكرية رائدة أخرى. ومن الممكن أن تلعب المملكة المتحدة واليابان وأستراليا، كل منها لها مصالحها الدفاعية الخاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، دوراً رئيسياً في دعم نظام الدفاع الجوي الجديد. وبالتعاون معاً، لا تستطيع الولايات المتحدة خفض التكاليف من خلال تقاسم العبء المالي فحسب، بل وأيضاً تسريع تطوير ونشر التقنيات الحاسمة من خلال الجهود التعاونية.
إن مثل هذه الشراكة ستكون مهمة ليس فقط لفوائدها المالية ولكن أيضاً كأداة دبلوماسية لتعزيز التحالف العالمي ضد النفوذ الصيني المتزايد. ومن الممكن أن يخلق التعاون الاستراتيجي مع الحلفاء فرصاً جديدة لنظام الدفاع الجوي الجديد، وتحويله إلى منصة مشتركة للدفاع الجوي واستجابة لطموحات الصين في التفوق الجوي.
ولكن إعادة برنامج الدفاع الوطني الجديد إلى الواجهة يعني أيضاً التزاماً جدياً بالاقتصاد الأمريكي. ذلك أن تكاليف إحياء هذا البرنامج قد تشكل تحدياً وفرصة لصناعة الدفاع الأمريكية. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى خلق آلاف الوظائف الجديدة في قطاعات التكنولوجيا الفائقة الحيوية، الأمر الذي من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي ويوسع القاعدة الصناعية في البلاد.
ولكن في الوقت نفسه، وفي عصر الصعوبات الاقتصادية والضغوط التضخمية، فإن تبرير مثل هذه النفقات سوف يتطلب حججاً مقنعة وإرادة سياسية قوية. ومن المرجح أن يتساءل العديد من أعضاء الكونجرس ليس فقط عن حجم الاستثمار ولكن أيضاً عن تأثيره على المشاريع الاجتماعية والبنية الأساسية المهمة الأخرى.
ولكن لا يمكن الاستهانة بهذا الجانب الاقتصادي. إن إحياء مشروع تطوير الجيل القادم يعني استثماراً كبيراً في البحث العلمي وتقنيات التصنيع وتدريب القوى العاملة ــ وكل هذا مع إمكانية تحقيق النمو الاقتصادي. وقد يعمل هذا التحدي كمحفز للتكنولوجيات الجديدة التي من شأنها أن ترفع الصناعة الأميركية إلى مستوى جديد من القدرة التنافسية وتخلق فرصاً لتطوير التكنولوجيات المدنية ذات التطبيقات في مجالات مختلفة.
إن المناقشة المحيطة بمشروع تطوير الجيل القادم لا تُصاغ باعتبارها قضية عسكرية فحسب، بل باعتبارها فرصة لإعادة الهيكلة الاقتصادية، وهو ما من شأنه أن يوفر دفعة قوية للقطاعات الصناعية بأكملها ويعزز من التفوق التكنولوجي الأمريكي في السباق العالمي.
ولكن الوقت عامل حاسم. فكل شهر من التأخير يعني المزيد من المزايا للصين وفرصة أعظم لـ"الإمبراطور الأبيض" للانتقال من نموذج إلى منصة تشغيلية. وتدرك صناعة الدفاع الأمريكية أنه إذا لم يتم إحياء نظام الدفاع الصاروخي للمحيط الهادئ قريبا، فإن الفجوة بين الولايات المتحدة والصين من حيث التكنولوجيا قد تصبح من الصعب سدها.