إثيوبيا: “استراتيجية البحرية الإثيوبية.. كيف تتجه إثيوبيا الدولة الحبيسة في القرن الإفريقي بحراً؟”

دكتور ســــيد غنــــيم، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أستاذ زائر بالناتو ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)

أولاً: مقدمة:
عندما حصلت إريتريا على استقلالها في عام 1993 ، وجدت إثيوبيا نفسها فجأة بدون خط ساحلي ، ولذلك اتخذت الخطوة المنطقية المتمثلة في حل قواتها البحرية.  الآن ، تعيد النظر في قرارها وتشير أحدث مناوراتها في المنطقة إلى أنها قد تتسوق في محيطها للعثور على قاعدة بحرية يمكنها استخدامها.
وقال رئيس الوزراء أبي أحمد على التلفزيون الحكومي بعد تنصيبه في إبريل 2018: “لقد بنينا واحدة من أقوى القوات البرية والجوية في إفريقيا.. يجب أن نبني قدراتنا البحرية في المستقبل”.

ثانياً: حقائق وأبعاد:
1-     بعد أن خاضت إثيوبيا وإريتريا حرباً حدودية بين عامي 1998 و 2000، كانت هناك فرصة ضئيلة لأن تتمكن إثيوبيا من الاستمرار في استخدام موانئ إريتريا كما فعلت سابقًا.  لذلك كان عليها أن تجد بدائل.
2-  وقعت إثيوبيا مؤخرًا اتفاقًا للاستحواذ على حصة في ميناء جيبوتي ، الذي يتعامل الآن مع ما يقرب من 95 ٪ من جميع صادراتها ووارداتها.  كما أنها مرتبطة بجارتها الصغيرة بخط سكة حديد جديد بطول 472 ميلاً (759 كم) – افتتح العام الماضي – يربط العاصمة أديس أبابا بميناء دوراليه، امتداد لميناء جيبوتي، والذي  زاد من حركة أحجام البضائع من وإلى الميناء لدرجة أن 70٪ على الأقل من جميع أنشطته هي الآن تجارة إثيوبية.
3- جاءت تصريحات أبي أحمد في وقت تكثف فيه دول الخليج الغنية استثماراتها في الموانئ البحرية على طول البحر الأحمر وساحل شرق إفريقيا في الوقت الذي تتنافس فيه على النفوذ في ممر استراتيجي حيوي لممرات الشحن وطرق النفط، حيث تستخدم السعودية وقطر وتركيا بعض الموانئ لأغراض عسكرية، وعلى صعيد آخر تسعى مصر لاستعادة نفوذها في القرن الإفريقي والبحر الأحمر على محورين رئيسيين يضمنا حماية أمنها القومي، وهما البحر الأحمر ومياه نهر النيل. وتشير تصريحاته عن طموحات إثيوبيا البحرية لكن خطط أبي أحمد في كيفية تحقيق هذا الهدف لم تعلن بشكل صريح. ومع ذلك ، فإن أحدث محاولة لإثيوبيا للدخول في صفقات مع جيرانها الساحليين تشير إلى أن هناك ما هو مخطط في هذا الاتجاه.
4- اتمام إجراءات المصالحة لتطبيع العلاقات بين إثيوبيا وجارتها التي أنفصلت عنها إريتريا في يونيو 2018، والتي توسطت فيها الإمارات. من جانب آخر، أصرت الولايات المتحدة على أن شريطة التطبيع بين البلدين، هو تنفيذ قرار الأمم المتحدة باستعادة إريتريا لمنطقة “بادامي” المتنازع عليها مع إثيوبيا عقب انتهاء الحرب بينهما عام 1993، وطبقاً لتحكيم وقرار الأمم المتحدة في ذات الشأن.
5- نقلت فانا برودكاستينغ كوربوريت التابعة لإثيوبيا عن أبي قوله إن الإصلاحات العسكرية يجب أن “تأخذ في الاعتبار الوضع العالمي الحالي المتغير بسرعة، والوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في إثيوبيا”.

الرأي:
لا شك أن إثيوبيا قلقة من سيطرة القوات البحرية الأجنبية على جيبوتي حيث تتمركز قاعدتين عسكريتين لكل من الولايات المتحدة وفرنسا على أراضيها، فضلاً عن معسكرات أخرى تابعة لكل من الصين واليابان وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا. وربما نخشى في المستقبل أنه حتى جيبوتي قد لا يكون لها الإستقلالية الكافية وحرية استخاذ القرارات المنفصلة لتقرير علاقاتها الإقليمية، الأمر الذيي يوجد تهديد كبير على المصالح الإثيوبيا خاصة أن كل الدول المتواجدة في جيبوتي على علاقات قوية مع دول منافسة وخصوم لإثيوبيا مثل مصر ودول إفريقية محيطة.

ولا شك أنه حالة قيام إثيوبيا بإنشاء قوات بحرية، فهذا سيساعد أيضاً في حماية عشر سفن إثيوبية تجارية، أو أكثر، في منطقة البحر الأحمر شديدة الاضطراب، وهي تتمركز حالياً في جيبوتي بإيجارات عالية التكلفة تقع على عاتق إثيوبيا لصالح جارتها البحرية جيبوتي، حيث توجد لإثيوبيا مصالح اقتصادية أخرى مع جيرانها، ناهيك عن المصالح السياسية المتضاربة مع جيرانها. كما  لا يزال لدى إثيوبيا أيضاً معهد بحري مدني يقوم بتدريب أكثر من 500 مهندس بحري ومسؤول تقني كهربائي كل عام ، مع خطط لتدريب أكثر من 1000 ضابط سنويًا.

ومع ذلك ، فإن بناء قوات بحرية إثيوبية كاملة سيتطلب نفقات عسكرية ضخمة للغاية فضلاً عن الحجم الكبير من الوقت والكوادر اللازمين لتدريب القوات وإنشاء القاعدة البحرية الإثيوبية.. ناهيك عن الدولة الجوار التي ستقبل ذلك، والتي لا يجب ألا تخرج عن إريتريا أو جيبوتي (وهي مستبعدة نسبياً لتواجد قواعد ومعسكرات عسكرية دولية كثيرة) والصومال وكينيا.

منذ وصوله إلى السلطة في أبريل 2018، وقع أبي أحمد صفقات مع السودان للوصول إلى بورتسودان، في محاولة لتنويع منافذ الموانئ وخفض رسوم الموانئ،  ووافقت إثيوبيا أيضًا على صفقة مع دولة أرض الصومال المعلنة من جانب واحد مقابل حصة 19٪ في ميناء بربرة والتي تتضمن خطة لبناء طريق من حدودها إلى الميناء.

وهناك من يرى من الخبراء إمكانية جعل أي من كينيا وأرض الصومال وجيبوتي مواقع محتملة للقاعد، فهدف إثيوبيا كما اتفهم هو توحيد القرن الأفريقي ككتلة اقتصادية ضخمة، تمثل القوة البحرية التجارية والعسكرية معاً جزء من هذا المشروع الإثيوبي الضخم. كانت إثيوبيا قد وقعت مع كينيا على صفقة لتسهيل حيازة الأراضي في جزيرة لامو كجزء من مشروع لامو بورت – جنوب السودان – إثيوبيا، وهو مشروع نقل وبنية تحتية بقيمة 24 مليار دولار (18 مليار جنيه إسترليني)  ربط البلدين وجيرانهما، لكن المشروع واجه تأخيرات في التمويل ومشاكل أمنية في كلا البلدين.

أزعم أن الهدف الرئيسي للقوات البحرية الإثيوبية هو رفع قدرات كفائتها القتالية لضمان التواجد والسيطرة على المنافذ واللمرات البحرية بالبحر الأحمر ضد أي خصوم أو منافسين فضلاً عن استهداف عمليات جماعة الشباب الإسلامية المتشددة في الصومال، وكذلك القرصنة في المحيط الهندي، وبشكل رئيسي تأمين السفن البحرية الإثيوبية العابرة في البحر الأحمر والمتجههة حول العالم. المشكلة التي قد تواجه إثيوبيا بقوة هي أنها قد تستغرق عقودًا حتى تمتلك قوات بحرية كاملة وربما وحدات بحرية منها فقط. وقد تنشئ إثيوبيا فرعا بحريا لقواتها المسلحة ولكن ليس سلاحا بحرية، حيث سيستغرق شراء السفن وقتاً طويلاً للغاية. وبالنظر للدول الإريقية المجاورة وعلى رأسها جيبوتي تجد أنها تعتمد ليس لديها قوة بحرية كافية، وبالنظر للقرن الأفريقي تحديداً فإن القوى العالمية الكبرى هي التي تضمن حمايتها وتأمين مصالحها من خلال تنسيق قديم، إلا أن إثيوبيا قد تسعى للإستقلالية.
ومع ذلك، ورغم صعوبة احتمال أن تذوب العلاقات مع إريتريا إلى الحد الذي يمكن أن تعتمد فيه إثيوبيا مرة أخرى على موانئها في عصب ومصوع، إلا أن إريتريا كانت قيد الاحتمال لإنشاء قاعدة بحرية إثيوبية وتحديداً في منطقة “رأس دوميرا – Raas Doumeira” أو في “جزيرة دوميرا – Doumeira Island” المتخامة لجيبوتي وعلى حدود إريتريا الجنوبية معها مباشرة، كما تعتبرا أقرب منطقة شرق الحدود الدولية الإريترية مع إثيوبيا. المشكلة التي يجب أن تتنبه لها إريتريا هو أن هناك خطر من الطموحات البحرية الإثيوبية والتي قد تهدد إريتريا نفسها مستقبلاً سواء كانت القاعدة البحرية الإثيوبية قد تنشأ على أراضيها أو على أرض أي دولة أخرى تطل على البحر الأحمر، فإثيوبيا دولة كبيرة وتسعى لكي تكون قوة إقليمية تجذب القوى الدولية والقوى الإقليمية الأخرى للعمل في القرن الإريقي من خلالها.

نقلاً عن :  معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع (IGSDA)