المرتزقة: في ساحة المعركة: ما يجب أن يعرفه المستشارون القانونيون

التعامل مع المرتزقة ...  عديم الفائدة وخطير، وإذا سعى الأمير للحفاظ على دولته بواسطة جيش مرتزقة فلن يكون مستقرًا أو آمنًا أبداً. "نيكولو مكيافيلي" من كتاب الأمير.

تم استخدام المرتزقة منذ فجر التاريخ فى الحرب، ومع ذلك شهدت السنوات الأخيرة انتعاشًا هائلاً في استخدام قوات المرتزقة في ساحة المعركة، وتعد روسيا من أكثر الدول التي إعتمدت مؤخراً على مجموعات المرتزقة، حيث استخدمت تلك القوات لتوسيع وجودها في مختلف نقاط الاحتكاك الأكثرسخونة في العالم، ويهدف الاعتماد على هذه القوات المبهمة إلى توفير إمكانية إنكار معقولة وحماية روسيا من المسؤولية تختلف الممارسات الروسية اختلافًا جوهريًا عن كيفية توظيف الدول الأخرى للمقاولين أمنيين فى القطاع الخاص التى ترافق قواتها، يمثل نهج روسيا اتجاهًا جيوسياسيًا خطيرًا ويطرح تحديات قانونية فريدة من حيث مسؤولية الدولة ومساءلتها بموجب قانون النزاعات المسلحة.

الاستخدامات المعاصرة للمرتزقة الروس

لروسيا تاريخ طويل في توظيف المرتزقة، ولكن تحت قيادة فلاديمير بوتين تطور الاعتماد عليها بشكل كبير، فمع تعزيز بوتين للأجهزة الأمنية الروسية ووفرة المحاربين القدامى من الحقبة السوفيتية كانت الظروف مهيأة لزيادة الاعتماد على هذه القوات شبه الحكومية، حيث توفر مجموعات المرتزقة لروسيا خيارات ذات تكلفة إقتصادية لإرسال قوات بسرعة لدعم الأنظمة الاستبدادية المفضلة، وتعتبر روسيا هذه الجماعات جذابة بشكل خاص لأنها تمكنها من القدرة على الإنكار بشكل معقول، وعليه سمحت تلك الديناميكيات  بإنشاء العديد من مجموعات المرتزقة الروسية الخاصة، أكثر المنظمات الروسية المرتزقة نشاطًا هي "مجموعة فاغنر" التي يرأسها (يفغيني بريغوزين) الذى يعتبر حليف ذو علاقة وثيقة لبوتين، حيث تعمل فاغنر في جميع أنحاء العالم على الرغم من كونها محظورة بموجب القانون الروسي الذي يحظر المرتزقة والمتعاقدين الأمنيين العسكريين الخاصين فللتحايل على هذه المحظورات تم تسجيل Wagner باستخدام سلسلة من الشركات الوهمية الموجودة خارج روسيا، وتوفر علاقاتها الوثيقة مع عناصر الأمن الروسية وصول فاغنر إلى الأسلحة المتطورة والاستخبارات ويتم تنسيق أعمالها في جميع أنحاء العالم مع روسيا لتعزيز مصالحها الوطنية.

لعبت فاغنر دورًا أساسيًا في مساعدة روسيا على تحقيق أهدافها في سوريا وأوكرانيا، في سوريا: شاركت إلى جانب قوات النظام السوري في عمليات قتالية هجومية قبل سنوات من الدخول الرسمي للقوات العسكرية الروسية، وفي أوكرانيا: يُشتبه في أن عناصر فاغنر على صلة بـ "الرجال الخضر الصغار" الذين دعموا الانضمام لروسيا، وقد قاتلوا جنبًا إلى جنب مع القوات الانفصالية عبر منطقة دونباس، استخدمت روسيا هؤلاء المرتزقة بدلاً من جيشها لتجنب الإحصاء المحلي للخسائر كذلك للادعاء كذبًا أن جميع المقاتلين كانوا انفصاليين محليين، تستخدم روسيا حاليًا نموذج المرتزقة هذا في فنزويلا وعبر إفريقيا حيث تسعى إلى توسيع النفوذ والوصول إلى الموارد الطبيعية، ففاجنر لها تأثير كبير في ليبيا حيث تساعد حليفًا لروسيا في الحرب الأهلية المستمرة بحيث قدم مرتزقة فاغنر ميزة عسكرية فورية في ساحة المعركة وقلبوا الميزان لصالح الميليشيا المدعومة من روسيا، وقد أدان قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا فى تصريحاته فاجنر باعتبارها عنصرًا "مزعزعًا للاستقرار" يساعد روسيا على توسيع وجودها في إفريقيا، روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تستخدم هذه القوات ذات الطبيعة الخفية بل يعد الاستخدام المعاصر للمرتزقة أبعد مدى فبالنظر إلى النجاح النسبي الذي حققته روسيا وغيرها  ينبغي أن توقع رؤية المرتزقة يعملون على نطاق أكثر أتساعاً في المستقبل لذلك يجب أن يكون المستشارون القانونييون الذين يقدمون المشورة للقادة وواضعي السياسات على دراية بالإطار القانوني المعقد المحيط بالمرتزقة.

القانون الواجب التطبيق

أول معاهدة توضح بالتفصيل الالتزامات القانونية للمرتزقة هي البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (AP I) تحظر المادة 47 من البروتوكول الأول على المرتزق أن يصنف كمقاتل شرعي وتقدم تعريفًا من ستة أجزاء لمن يستوفي المعايير ليكون مرتزقًا. أحد المتطلبات الستة هو أن الشخص يجب أن يكون مدفوعًا "بالرغبة في تحقيق مكاسب خاصة"، أما موقف الولايات المتحدة كما هو مفصل في دليل قانون الحرب التابع لوزارة الدفاع الأمريكية: هو أن كونك مرتزقًا ليس جريمة بموجب القانون الدولي يوضح الدليل أن تلقي أجر مقابل خدماتهم لا يؤدي بالضرورة إلى استبعاد المرتزقة من وضع المقاتل، ومن ناحية أخرى يجب أن يتبع المرتزقة قانون النزاعات المسلحة ويمكن معاقبتهم على أي انتهاكات، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تعترف بموقف AP I على أنه عرف، فجدير بالذكر أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة أعضاء في معاهدة AP I ويعتبرونها قانونًا ملزمًا، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض شركاء الولايات المتحدة هم أيضًا أطراف في الاتفاقية الدولية لعام 1989 لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم التي وسعت الحظر ضد مجموعات المرتزقة، سيصبح فهم الالتزامات القانونية المتنوعة للدول الشريكة فيما يتعلق بالمرتزقة ذا أهمية متزايدة أثناء عمليات التحالف.

في غضون ذلك ، يعترض فاجنر والمنظمات الروسية المماثلة على وصفهم بالمرتزقة، وبدلاً من ذلك تعرف تلك المجموعات نفسها على أنها متعاقدين أمن عسكري خاص (PMSCs)، وفي حين أن التمييز بين المرتزقة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة ليس واضحًا دائمًا فإن روسيا تعمد طمس هذه الخطوط للاستفادة من الفجوات التعريفية، على عكس المرتزقة ليس للمقاولين الأمنيين تصنيف قانوني منفصل بموجب القانون الدولي، فيعتبر أعضاء الشركات العسكرية والأمنية الخاصة إما مقاتلين أو مدنيين بموجب قانون النزاعات المسلحة اعتمادًا على دورهم وانتمائهم لدولة طرف في النزاع وسلوكهم مثل: ما إذا كانوا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وعليه يمكن تصنيفهم بطرق مختلفة يجب أن يكون المستشارون القانونيون على دراية بكيفية تأثير هذه الأوضاع المتنوعة على ما إذا كان يمكن استهداف أو احتجاز المقاول الذي يتم مواجهته في ساحة المعركة.

اتخذت الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية خطوات لمعالجة بعض الثغرات القانونية المتصورة للشركات العسكرية والأمنية الخاصة على سبيل المثال: اعتمدت بعض الدول مجموعة من أفضل الممارسات للشركات العسكرية والأمنية الخاصة في اتفاق دولي أُبرم عام 2008 عُرف باسم "وثيقة مونترو" والذي سلط الضوء على التزامات الدول فيما يتعلق بالمتعاقدين الأمنيين، والجدير بالذكر أن روسيا رفضت التوقيع على الاتفاقية، كما أنشأت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مدونة دولية لقواعد السلوك تتضمن التزام الشركات الموقعة الفردية باتباع القانون الدولي ولم تعلن Wagner التزامها بذلك، وبدلاً من ذلك سعت روسيا عمدًا إلى الاستفادة من الثغرات القانونية المتصورة واستخدام مجموعات مثل فاغنر لمساعدتها على تجنب مسؤوليتها كدولة تستخدم روسيا حملات تضليل لإنكار أي علاقة بفاغنر والتنصل من أي دور في توجيه أنشطتها، بالإضافة إلى ذلك ، أصدر الرئيس بوتين مرسوماً يقضي بتصنيف المعلومات المتعلقة بالشركات المتعاونة مع المخابرات الروسية كمعلومات سرية كفل هذا الإجراء أن تظل الاتصالات بين فاغنر والمسؤولين الروس سرية، هناك فوائد كثيرة لروسيا إذا نجحت في الحفاظ على وهم الفصل بينها وبين فاجنر فعندما تستخدم روسيا مجموعات المرتزقة حصريًا في نزاع مسلح  يمكنها الادعاء بأنها لا تشارك في النزاع، وبالتالي يمكنها صرف النظر عن أى تدقيق بموجب مبادئ عدم التدخل في ميثاق الأمم المتحدة، علاوة على ذلك بموجب القانون الدولي يمكن أن يُنسب سلوك جماعة ما إلى الدولة إذا كانت الدولة هي التي وجهتها، وعليه تهدف المعلومات المضللة الروسية المتعمدة إلى مساعدتها على تجنب المساءلة عن أي سوء سلوك مرتزقة وإلى أن يتطور القانون ، يجب أن نتوقع إستمرار بعض الدول في الاعتماد على مجموعات مثل فاغنر.

تقديم المشورة القانونية حول مجموعات المرتزقة

بالنظر إلى الاستخدام المتزايد للمرتزقة  يجب أن يكون القضاة والمحامون والمستشارون القانونيون المدنيون مستعدين لمعالجة القضايا القانونية الشائكة التي تنشأ عندما تواجههم القوات الأمريكية في ساحة المعركة احتمالية حدوث مثل هذه اللقاءات ليست افتراضية، في عام 2018 تعرضت القوات الأمريكية في سوريا لهجوم مدرع من عدة مئات من أعضاء مجموعة فاغنر الذين يدعمون القوات الموالية للنظام السوري، بعد معركة استمرت أربع ساعات تشير التقديرات إلى مقتل أكثر من مائة مرتزق روسي مع توسيع روسيا لوجود المرتزقة في جميع أنحاء العالم ستزداد احتمالية مثل هذه التفاعلات المستقبلية مع القوات الأمريكية فقط، تحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى تسليط الضوء على استخدام روسيا غير المشروع للمرتزقة وتفاصيل كيفية انتهاكه للقانون الدولي وتسهيل الفساد في جميع أنحاء العالم يجب أن يكون المستشارون القانونيون متيقظين لقانون انتهاكات النزاع المسلح التي تنطوي على المرتزقة حيث تورط مرتزقة روسيا في العديد من الفظائع، يمكن أن يساعد القضاة في كشف هذه الانتهاكات وبهذه المعلومات يمكن لأمريكا إثبات تورط الدولة الروسية والضغط على روسيا للإصلاح.

خاتمة

سيلعب المرتزقة دورًا في النزاعات المستقبلية لأنهم يوفرون الغموض القانوني الذي يسعى إليه خصوم أمريكا في الصراع، للتحضير للقتال في المستقبل يجب أن يظل المحترفون القانونيون منتبهين للمشاركين في الحرب يجب أن يكون المحامون والقضاة أيضًا يقظين بشأن تحديد الآثار القانونية المرتبطة بالمرتزقة على قادتهم.
نقلاً عن : معهد ليبر بأكاديمية وست بوينت ترجمة للغة العربية فريق شبكة الدفاع