تحليل: من دروس الحرب في غزة (2)

من المبادئ الراسخة نتيجة الحروب المختلفة في الـ 80 عام الماضية، أن المدن هي مُهلكة الجيوش النظامية ومقبرة الدبابات على وجه الخصوص. وهي نتائج لمعارك مدن مختلفة ضمن حروب متنوعة، كان أشهرها بالنسبة لنا هي معركة السويس عام 1973 (صورة رقم 1) والتي حاولت فيها القوات الإسرائيلية المكونة من دبابات ومدرعات وعناصر مظلات من إحتلال المدينة، وذلك بعد قصف جوي عنيف، ولكنها مُنيت بخسائر جسيمة للغاية، أجبرت بسببها على التخلي عن فكرة إحتلال المدينة إطلاقًا، مع إخلاء عناصر المظلات التي إحتمت بمبني قسم شرطة الأربعين.

كل هذا ومن دافع عن المدينة ليسوا قوات عالية التنظيم والتدريب، على العكس، كانو خليط من القلة القليلة من المدنيين الساكنين بها، مع بعض عناصر مؤخرة الجيش الثالث الإدارية والفنية المحتمين بالمدينة بعد تطويق قوات الجيش الثالث.

ولكن ما حدث في العملية العسكرية بغزة 2023 من قبل الجيش الإسرائيلي كان مختلفًا تمامًا، مفاجًأ في نتائجة وصادمًا في معدل خسائرة الضئيلة لدرجة لا تذكرة مقارنة بحجم ونوعية العملية ككل.

ففي الصورة رقم2 سنجد مجموعة قتال مكونة من قوات من اللواء 188 مدرع "ميركافا 4"+ قوات من اللواء 84 ميكانيكي (جفعاتي) "مدرعات نامير"+ قوات من لواء ميكانيكي آخر غير متذكره. في غرب مجمع الشفاء بشوارع قليلة، بقلب مدينة غزة أحد أكثر مدن العالم تكدسًا بالسكان، وفي عمق مناطق عمل كل من كتيبة تل الهوى + كتيبة الصبرة + جوار كتيبة الزيتون (كتائب القسام) إلى جانب باقي عناصر كتائب سرايا القدس وشهداء الأقصى، وهم التنظيمات العسكرية التي كانت الأقوى في قطاع غزة.
ومع هذا؛ تمكنت القوات الإسرائيلية من استكمال المرور بأزقة وشوارع مدينة غزة بالكامل، وبعض منها كان دخولها أكثر من مرة. ولكن الأهم هو تنفيذ القوات الإسرائيلية أعمال قتال داخل المدن بقوات رئيسية مكونة من مدرعات ودبابات بخسائر في المعدات والأرواح تكاد تكون لا تذكر.

والدرس هنا يتلخص في إنتهاء فكرة أن المدن مازالت مناطق/ بؤر استنزاف للجيوش النظامية (وعلى الأخص الجيش الإسرائيلي)، ويرجع ذلك لسببين حيويين من وجهة نظري، بالترتيب كالآتي:
1- تزود الدبابات/ المدرعات المتوغلة بنظم حماية نشطة مضادة للصواريخ، تفقد طواقم تدمير الدبابات بالصواريخ قدرتها على إحداث خسائر بها، خاصة بتطبيق أساليب قتال قديمة/ تقليدية.
2- الإعتماد في الدفاع داخل المدن على ضيق مساحة المناورة للقوات المدرعة/ الميكانيكية المتوغلة، والإرتكان لأسلحة وتكتيكيات نمطية في تدمير تلك القوات، مع إغفال تطور وسائل إستطلاع العدو الحديثة (خاصة الكهروبصرية) التي تمكنه من إكتشاف الأكمنه وتحركات الأفراد بسهولة ليلاً ونهارًا.