تحليل: من دروس حرب غزة (3)

على الرغم من أن لشن الحروب حسابات كثيرة جدًا ومعقدة، إلا أن تلك الحرب قد أثبتت أكثر إحدى خصائص الحروب الحديثة التي برزت بوضوح خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، وهي عدم قدرة أى دولة على تلبية إحتياجاتها من الأسلحة الرئيسية أو الذخائر بمفردها، دون وجود شبكة علاقات استراتيجية مع دول تمتلك صناعات دفاعية قوية، حتى ولو كانت الدولة ذاتها مُصنع رئيسي للأسلحة.


فعلى سبيل المثال أظهرت الحرب الأوكرانية إحتياج كل طرف إلى نوعيات مختلفة من الأسلحة والذخائر خلال المراحل المختلفة من تلك الحرب. إذ إحتاجت أوكرانيا في البداية إلى الصواريخ المضادة للدبابات كأولوية قصوى، وذلك لصد الهجمات المدرعة/ الميكانيكية الروسية على دفاعاتها وفي عمق أرضها.


وحين تحولت العملية العسكرية إلى خطوط دفاع ثابتة، ظهر للجانبين الروسي والأوكراني الحاجة الماسة لذخائر المدفعية/ المدفعية الصاروخية بشكل عاجل لقصف الخطوط الدفاعية سعيًا لإختراقها.


وهو ما دفع كلا الجانبين إلى البحث في شبكة علاقاتهم الدولية المباشرة وغير المباشرة، عن أى موردين لتلك الذخائر أو أحد مكوناتها الصناعية، مما ساهم في الضغط المفاجئ على خطوط إنتاجها على مستوى العالم، وأدى إلى إرتفاع أسعار هذه الذخائر ومكوناتها بشكل كبير جدًا.


أما إسرائيل التي تعتبر من رواد الصناعات الدفاعية العالمية حاليًا، ولديها قاعدة صناعات تكنولوجية متطورة للغاية. فقد عانت ببداية حرب غزة من نفاذ مخزوناتها من قذائف المدفعية عيار 155مم، إلى جانب استهلاك قدر كبير جدًا من مخزونات صواريخ كتائب القبة الحديدة (الدفاع الصاروخية قصير المدى) للدفاع عن الكتلة السكانية والأهداف الحيوية من صواريخ الفصائل الفلسطينية واللبنانية.


وعلى الرغم من أنها تنتج هذه النوعيات من الذخائر بمختلف أنواعها، إلا أن معدلات إنتاجها المحلي لا يلبي معدلات الاستهلاك العالية منها. ما أجبرها على اللجوء للولايات المتحدة وبعض الدول الصديقة لتدبير هذه الإحتياجات بشكل عاجل، وكانت نتيجته في بعض الأحيان ضغط من بعض موردي تلك الذخائر عليها، مثل ضغط إدارة بايدن، والتي أجبرت إسرائيل على قبول تنفيذ بعض التنازلات أو الموافق التي لا تريد تنفيذها.


لذلك؛ فإن حساب القدرة على استعواض الخسائر في الأسلحة والاستهلاك في الذخائر، يعتبر مهم بنفس القدر لمقارنة أنواع الأسلحة وزمن بقائها في المعركة. ما يستدعي إعادة هيكلة الصناعات الدفاعية الوطنية بشكل عاجل وخطير، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية مع دول عديدة أخرى تضمن استمرار توريد الأسلحة والمعدات والذخائر خلال مراحل المعركة المختلفة.